حين تلتقي خطى الحسين بواقع العراق اليوم
خالد محسن الروضان
في كل عام، ومع حلول شهر صفر، يشهد العراق أكبر تجمع بشري على وجه الأرض: زيارة الأربعين، ذكرى مرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام). ملايين الزائرين يتدفقون من داخل العراق وخارجه نحو كربلاء المقدسة، حاملين معهم القلوب قبل الأقدام، في مشهد روحي وإنساني يستوقف العالم.
لكن هذا الحدث المليوني لا ينفصل عن الواقع العراقي الراهن. فالعراق، الذي عانى على مدى عقود من الحروب والحصار والإرهاب والانقسامات السياسية، يجد في الأربعين فرصة نادرة لاستعادة صورته الحقيقية: بلد الكرم، وموطن التضحية، وأرض الأنبياء والأولياء.
في طريق النجف – كربلاء، تتلاشى كل الفوارق الاجتماعية والسياسية، وتختفي الخطوط المرسومة بين الطوائف والأعراق. الجميع هنا يخدم الجميع، بلا مقابل ولا شروط. هذا المشهد يكشف أن الوحدة الوطنية ليست حلمًا بعيدًا، بل حقيقة كامنة في وجدان العراقيين، تظهر بوضوح حين يتجاوزون جراح السياسة وأصوات الفتنة.
زيارة الأربعين أيضًا تحمل رسالة سياسية غير مباشرة، لكنها عميقة: أن العراق ما زال قادرًا على تنظيم حدث يشارك فيه الملايين، دون أن يُختطف من قبل التطرف أو العنف. وهي رسالة قوة إلى الداخل والخارج، بأن روح الحسين، التي واجهت الظلم قبل 1400 عام، ما زالت قادرة على إلهام شعب يرفض الاستسلام لليأس والانقسام.
غير أن هذه الملحمة الروحية تضع صانعي القرار أمام سؤال مهم: إذا كان العراقيون قادرين على الاتحاد في طريق الحسين، فلماذا يفشلون في الاتحاد على طريق الوطن؟ هنا يكمن التحدي الأكبر، وهنا أيضًا يكمن الأمل.
إن كربلاء الأربعين ليست مجرد محطة دينية، بل فرصة لإعادة بناء الجسور بين مكونات العراق، وتحويل طاقة الإيمان إلى طاقة إصلاح وبناء. وكما يقول الزائرون وهم يخطون باتجاه المرقد الشريف: «لبيك يا حسين»، فإن العراق بأسره ينتظر يومًا يرفع فيه الجميع نداءً آخر: «لبيك يا وطن»