مشاهدات من أرض الكنانة.. مصر العروبة (3)
قصر المتنزه وجهة سياحية جذّابة وغاية في الجمال
أفراح أسطورية للعائلة المالكة
رعد أبو كلل الطائي
كانت وجهة زيارتي الثالثة في مدينة الإسكندرية هي زيارة قصر المتنزه.. قصر الملك فاروق، فتوجهتُ باكراً نحو نفق شارع 45 في العصافرة، ومن هناك أستقليتُ سيارة أُجرة تكسي، وبعد خروجنا من شارع النفق أنحرفنا نحو اليمين بأتجاه شارع الإسكندرية الساحلي السريع ونحو حي المندرة، وبعد مسيرة حوالي عشرين دقيقة كنا أمام البوابة الرئيسية الكبيرة والجديدة لقصر المتنزه المجاور لحي المندرة، وبعد أن ترجلت من السيارة، قطعتُ تذكرة دخول القصر والتي قيمتها مائةَ جنيهاً، والمعروف عن قصر المتنزه، إنه وجهةٌ سياحيةٌ جميلة جداً وجذابة ومكاناً غايةً في الروعة، ويوفرُ جواً هادئاً، ومناظر طبيعية حلوةً وإطلالةً رومانسية على ساحل البحر المتوسط وفرصةً ممتازة لتستمتع بسحر جمال مشاهد شواطئ البحر وتمتد وتغطي داخل المتنزه، وحدائقه محاطةً بالأشجار المورقة، ومساحات واسعة من القصر خضراء تغطيها الأحراش والحشائش والأشجار الباسقة المتنوعة زادت وأضفت على المكان بهاءً وجمالاً وروعةً، حتى غدا المكان برُمتهِ رائعاً للأسترخاء والأستمتاع، وقال لي أحد المسؤولين في إدارة القصر عن أوليات تأريخ القصر موضحاً :
لقد بوشر العمل في بناء القصر عام 1867م، وأنتهى العمل فيه أواخر عام 1872م، وأُفتتحَ رسمياً في يناير عام 1873م في حفل زفاف الأمير محمد توفيق ولي عهد الخديوي أسماعيل، ليرتبط القصر فيما بعد بحفلات الزفاف والأفراح الأسطورية للعائلة المالكة، وزاد قائلاً:
يحتوي قصر المتنزه قصوراً تأريخية ملكية، كقصر السلاملك والحرملك وهذان القصران يعكسان حقبة العصر الملكي في مصر، القصران يقعان على مساحة 370 فداناً من مساحة المتنزه، الذي يقع شرق مدينة الإسكندرية القصر الأول، هو قصر السلاملك الذي بناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892م، ليكون استراحةً له ولصديقته المجرية الكونتسية (ماي تورك هون زوبد)، والتي تزوجها فيما بعد، وعُرِفتّ بأسم جويدا هانم، والقصر الثاني، هو قصر الحرملك، بناهُ الملك فؤاد الأول عام 1925م، على الطراز الإيطالي، والذي شيده المهندس الإيطالي (فيروتشي) والمهندس المصري حسن باشا العدوي ليصبح قصراً لإقامة الأسرة الملكية في فصل الصيف، كما يحتوي المتنزه منشآت وفنادق سياحية .
متحف القصر
ثم بعدها توجهتُ إلى متحف القصر، والقيتُ نظرةٍ على مقتنياته من عهد الملك فاروق، بما في ذلك مقتنياته الشخصية، وصوراً فوتو غرافية، وغيرها من القطع الآثارية التأريخية، مثل مجموعة من الآثاث العتيق والفنون الجميلة، وصُمَمَ القصر تصميماً فاخراً مع أرضيات رخامية وثريات كريستالية، وأعمال خشبية معقدة، وهو من المعالم الشهيرة للقصر، وهذه المعالم تعتبر من أجمل الامثلة على فن (الأرت ديكو)، الذي يتميّزّ بأشكال هندسية جريئة وخطوط واضحة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قوالبه المعقدة بما في ذلك الألواح المنحوتة والأبواب التي يُجملُها، وهي الأخرى أضافت أحساساً بفخامة التصميم ،كما يضمُ سُلماً رُخامياً كبيراً يؤدي إلى الطابق الرئيسي وأعمالاً خشبيةً مُزخرفة، وتحتوي العديد من غرف القصر على شرفات ونوافذ تطلُ على البحر، مما يوفر خلفية جميلة للتصميمات الداخلية الكبيرة وتستطيع التمتع على أراضي القصر .
كُشك الشاي
كما لاح أمامي كذلك في قصر المتنزه، قصرٌ آخر أُطلق عليه كُشك الشاي، وهو تحفة معمارية مميزة شيدهُ الملك فاروق بقصر المتنزه، ومكانه يجمع بين الأصالة والتأريخ والأستجمام، وحب الجمال في الإسكندرية، وهو ضمن القصور الملكية التي كان يعيش فيها الملك فؤاد، والملك فاروق الذي عاش فيه مدة طويلة، وكان الملك فاروق يستمتع به، ويتناول فيه شرب الشاي عقِبَ وجبة الغذاء في فترة الظهيرة يومياً أثناء تواجده في الإسكندرية، ويقع الكُشك داخل القصر على البحر مباشرةً في منطقة المندرة شرق الإسكندرية، وهو مبنىً مستقلاً داخل الحديقة الكبيرة، وتم إنشاؤه عام 1938م، وصممهُ وأشرف على بنائه المعماري المصري مصطفى باشا فهمي، في حين تم أفتتاحهُ للجمهور عام 2020م، بعد ثمانين عاماً من إغلاقه، ويغلُب على بنائهِ الطابع المعماري الروماني، وعلى شكل مستطيل له أربع واجهات، يتوسطُها نافورة كبيرة من الرخام النادر، يُحيطُ بها تماثيل رخامية لسيدات ترمز لفصول السنة الأربعة، وكل تمثال من السيدات يرمز لفصلٍ مُعين من فصول السنة، وشهِدَ هذا المكان زيارة العديد من الرؤساء والزعماء والملوك من حول العالم لأحتساء الشاي مع الملك فاروق، وبعد أفتتاحه من قبل وزارة الآثار لأستقبال الجمهور، تم تطويره بواسطة متخصصين في الترميم والآثار، وتبلغ سعر تذكرة الدخول للكُشك خمسين جُنيهاً، وتتناول في القصر، المشروبات والحلويات على صوت أمواج وخرير مياه البحر المتوسط في هدوءٍ تامٍ، وتستشعر إنكَ عادت بك السنوات إلى الحُقبة الملكية، كما تستطيع التقاط الصور التذكارية داخل الكُشك بواسطة التماثيل الآثارية، وفي خلفية البحر بألوانه المتميزة، وقصر كُشك الشاي حالياً هو ضمن القصور الرئاسية وخُضعَ لتطويرات كبيرة في الفترة الأخيرة .
وبعّدُ أقول :
يُذكر إن الملك فاروق أعتلى العرش بعد وفاة والده الملك فؤاد الأول عام 1936م وحكم مصر والسودان حتى أطاح به ثورة 23 يوليو تموز عام 1952م، وبعد تنازله عن العرش لابنه أحمد فؤاد الثاني، أقامَ في منفاه بروما وكان يزور منها كل من سويسرا وفرنسا إلى أن توفى في روما في 18 مارس أذار عام 1965م، وفي منتصف ليلة 31 مارس أذار، وصل جثمان الملك فاروق إلى مصر، ودُفنَ أولاً في تكتمٍ شديدٍ في حوش الباشا، وهي مقبرة جدهُ إبراهيم محمد علي باشا الكبير في منطقة الإمام الشافعي، ثم نُقلتّ رُفاته في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات إلى المقبرة الملكية بمسجد الرفاعي بالقاهرة وبناءً على وصيته .