الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الماء والطين والقصب

بواسطة azzaman

الماء والطين والقصب…..!!

{ملحمة الخلق المبتهج}

معاني يرويها - شوقي كريم حسن

 

ملحمة الخلق

(كورال سومري – افتتاحية كونية)

قبل أن تُسَمّى الأشياءُ بأسمائها،

كان الماءُ يسافرُ وحده في عتمةِ المعنى…

يجرُّ خلفهُ نحيبَ الرياح،

ويغسلُ وجهَ الهاوية.

ولما نادى الطينُ من بطنِ الغياب:

“أيها الماء،

كُفَّ عن الرحيل،

تعال لنُشكّل هيئةً للحياة!”

امتزجا كما يمتزجُ العشاقُ بعد شوق،

ومدّا أيديهما للقصب،

فقال القصب:

“سأكون الناي…

والباب…

والوتر!”

(1) نشيد الماء

(صوتُ أنثى سومرية – يشبه نبعًا يتكلم)

أنا التي فتحتُ للوجودِ عينيهِ،

أنا التي نادت في السماءِ:

“تَخَلَّق!”

من شفتيّ انفجرَ الفرات،

ومن ضلوعي ولد دجلة.

أروي الحقولَ فلا تجوع،

وأغني للجذرِ كي لا يتيه،

أُقبّلُ وجهَ الطينِ كلَّ فجر،

وأقول له: قمْ،

فالعالم ينتظر قدميك!

2) نشيد الطين

(صوت رجولي سومري – عميق كرجع الأرض)

أنا الطينُ،

ابنُ الحضنِ العتيق…

بي صنعتْ الآلهةُ شكلَ الإنسان،

ورسمتْ عليهِ ملامحَ الغناء.

حين لامستني قطراتُ الماء،

ارتجفتُ شهوةَ التكوين،

وناديت:

أين القصب؟

نحتاج وترًا لنقول الحياة.

(3) نشيد القصب

{صوت طفل – بريء كهمسة في هور}

أنا القصبُ…

كنتُ نايًا قبل أن يُخترع الصوت،

وبيتًا قبل أن تُكتشفَ الجدران.

حين مرّتْ عليّ ريحُ الجنوب،

صفّرتْ فيّ لحنًا،

فابتكرتهُ سومرُ نشيدًا،

وسمّته: الوجود.

(4) حكاية الماء يوم عاندَ البحر

(صوت الماء نفس)

أنا الماء…

قد تظنونني وديعًا،

لكنني عرفتُ الغضبَ يوم ادّعى البحر أنه سيدُ المدى،

ضحكتُ،

قلت له:

“يا مالحَ النسيان،

أنا من غرستُ الزرعَ في خاصرةِ التراب،

وأنتَ لا تُنبتُ حتى عذرًا.”

كان البحرُ متعجرفًا،

يرتدي أمواجًا كأنها تيجانُ ملوكٍ منسيين،

همستُ للقصب:

“علّمني أن أكون لحنًا، لا زبدًا…

علّمني أن أصنعَ نهرًا من أغنية.”

وخرجتُ من تحدّيي

شعرًا يسقي الأرض،

لا طوفانًا يلتهمها.

(5) حكاية الطين حين حلمَ بالإنسان

{بصوت الطين – ببطء وحنين}

أنا الطينُ،

كنتُ ساكنًا،

قانعًا بتكويني،

أمدُّ جذوري للحَبِّ، وأسترُ جذرَ الشجرة.

لكن…

في إحدى الليالي،

رأيتُ حلُمًا غريبًا:

يدٌ تشكّلني،

أناملُ تخلق من عُريي جسدًا يتنفس،

يضحك،

يبكي،

يُحبّ ويغني…

قالت اليدُ لي:

“ستكون إنسانًا يا طين،

لكن عليك أن تتذكّر:

أصلُك نهر،

وأمك أغنية.”

استيقظتُ…

أبحث عن فمٍ أضع فيه حنيني،

فوجدتُ القصبة!

(6) حكاية القصب حين أغرته الريح

{صوت القصب – خفيف، مرن، مليء بالدهشة}

كنتُ واقفًا،

أُراقبُ الطينَ يُسوى،

والماءَ يُراق،

حتى مرّت بي ريحٌ سومرية…

لم تك باردة،

لكنها  تغني!

تغلغلتْ في جوفي،

ونفختْ…

يا له من نشيد!

صرتُ نايًا،

وصار العالمُ يسمعني.

قالت لي إنانا:

“منك سنصنعُ نواحَ العاشقات،

وضرباتِ الحرب،

وأهازيجَ الحصاد.”

امتلأتُ فخرًا،

ورجوتُ الريح:

لا تتركي صدري،

فأنا من دونك… مجرد عود.

(7) الكورال الكبير –

{نشيد اتحاد العناصر}!!

غنِّ يا ماءُ،

أنتَ أولُ الحلم!

وامشِ يا طينُ،

أنتَ قدَمُ الخليقة!

وارقصْ يا قصبُ،

أنتَ وترُ المجدِ الناعم!

نحنُ أبناءُ الضفاف،

نكتبُ التاريخَ لا بالسيوف،

بل بالأغاني…

سومر لا تبدأ بالحرب،

بل بنشيدِ ولادة،

بضحكةِ طفلٍ

يسمع أول لحنٍ في ناي.

(8) أغنية المرأة السومرية للجمال

{صوت نسائي منفرد – دافئ، ممتلئ بحنو الأمهات ورؤى العاشقات}

أنا من رأت الجمالَ حين كان العالمُ أعمى…

حين لم تُخلق المرايا بعد،

كنتُ أرى الزهرةَ تنام على خدِّ النهر،

فأدركُ أن الحبَّ لا يحتاج عينًا…

بل قلبًا صافياً كالماء.

حين غنّيتُ،

سمعتني الآلهة،

فابتسمت،

وقالت:

“هذه الأنثى ليست من تراب،

بل من نايٍ وندى.”

أنا المرأةُ التي تعجن الطينَ على إيقاعِ الغناء،

وتنثره خبزًا لأطفال الآتي.

(9) نشيد الحكمة من فم الجدة السومرية

{صوت أنثوي عتيق – بطيء كأنه يأتي من زمن غائر}

يا بنيّ،

تعلّم من الماءِ التسامح،

ومن الطينِ الصبر،

ومن القصبِ مرونة الروح.

لا تقطع نايًا لأنه ضعيف،

فهو من يُهدهد حزنَك حين لا تجد صدرًا يحتويك.

ولا تزدرِ الطين،

فهو من صنعك،

هو من سيسترك حين تعود إلى الأرض.

إذا شربتَ من ماءٍ،

فاذكر من سقاه…

ربما كان سومريًا حمل الجرّة على رأسهِ وغنّى.

(10) أغنية الحارس الليلي في معبد إنانا

{صوت رجولي منفرد – عميق كجرسٍ بعيد}

أنا الحارسُ الذي لا ينام،

لأني أخاف على الحلم من سُهاد الكراهية.

في معبدِ إنانا

لا نعبد إلا الجمال…

الجمال في الحركة،

في الصوت،

في الضحكة المبللة بندى النهر.

نُبصر الكراهية فنُطفئها بلحن،

نرى الحرب فنرسم حولها رقصة.

نحن شعبٌ لا يبدأ يومهُ بدون نشيد،

ولا يختمهُ دون أن يصغي لقلبهِ وهو يغني.

(11) كورال الأطفال – ترنيمة الحياة القادمة

{أصوات أطفال – شفافة، ممتلئة نورًا}

نحنُ الذين لم يُولدوا بعد،

لكننا نحلم منذ الآن.

نحنُ أبناءُ الأغاني التي لم تُكتب،

وأحفادُ الريحِ التي تعلّمتْ الكلامَ من ناي.

يا آباءَ الطين،

علّمونا كيف نضحك دون خوف،

وكيف نزرع دون أن نكره،

وكيف نكتبُ أسماءنا على جدرانِ الماء

(12) نشيد العود الأول

(صوت رجولي ناعم – كأنه يستدعي الحنين من عمق الزمان)

في ليلةٍ لم يك فيها قمر،

كان القصبُ وحيدًا…

ينتظر شيئًا لا يعرفه.

مرّت عليه يدٌ صنعت من الطين كفًّا،

ومن الماءِ أنملة،

ومن الحنين وترًا.

قالت اليد:

“أمنحك صوتًا يشبه البكاء النبيل،

ونغمةً لا تذوب حتى في صمت المقابر.”

ومن جسد القصب

وشوق الماء

وذاكرة الطين،

وُلد العود.

أول آلةٍ تشبه القلب حين ينبض،

وتبكي حين يُلمس فيها مكانُ الوجع القديم.

(13) المقطع الثاني من الكورال – {نشيد الغناء العظيم

أصوات رجال ونساء – كأنهم نهر يمشي على الأقدام}

من العودِ خرجنا أغنية،

ومن الطينِ ارتفعنا بيتًا،

ومن الماءِ غزلنا أيامنا الناعمة.

نحنُ أبناءُ الحقولِ التي تغني،

والأمهاتِ اللواتي يرضعنَ الأطفالَ بمواويل،

والنخلِ الذي لا ينحني إلا ليسمع.

سومرُ، يا مهدَ اللحن،

أنتِ لم تبني المعابدَ بالحجارة،

بل ببحةِ صوتٍ في فمِ عاشق.

(14) أغنية الحب الأولى – بصوت العاشقة السومرية

(صوت نسائي – عذب مثل تنهيدة نهر صغير)

أنا من خبّأتُ اسمه في جُرنِ الطين،

ورسمتُ عينيه على وجهِ السِقاء.

لم أقل له: أحبك…

لكنني غنّيتُ له كلَّ صباح،

فأدرك أنني الغصنُ الذي ينتظرهُ ليورق.

كنا نجلسُ على ضفافِ الناي،

نستمع لأغنيةٍ وُلِدت منّا،

ولم نعرف كيف نُسميها…

فسميناها الحياة.

(15) همسة الحكمة في فم طفل سومري

(صوت طفل – خافت كأن الريح تعلمته نطق الحروف)

قال لي جدي:

“حين تكبر، لا تصرخ لتُسمع،

غنِّ… فيصغي لكَ الكون.”

وقال:

“لا ترفع سيفًا…

ارفع نغمةً،

فهي أصدقُ في كسرِ الحقد.”

وقال:

“يا بنيّ،

احذر أن تعبر النهر غاضبًا،

فهو مرآةُ روحك…

وقد يُريك ما لا تُحب أن ترى.”

(16) نشيد الرقصة الأولى

{صوت مزدوج – أنثوي وذكري – يلتقيان كخطوتين على تراب طري{

قبل أن يعرف الإنسان الحروب،

وقبل أن تنحني الجباه للصلابة،

اهتزّ الجسد فرحًا،

وارتجفت الأرض طربًا!

المرأةُ السومريةُ

رفعت ذراعيها للريح،

وترنّمت:

“هذا الجسد…

ليس للخوف،

بل للرقص!”

والرجلُ

خطا خلفَ ظلّها،

يقلّد الماء حين يركضُ في جذور النخل.

قالت إنانا:

“هذه الرقصةُ لا تُعلَّم…

هي الحكمة حين تلبس لحمًا.”

ومنذ تلك الليلة،

رقصت الحقولُ،

رقصَت السنابلُ،

وابتسم الطين.

(17) ترنيمة القصب حين رقَصَ للماء

{صوت القصب – يتمايل كما لو أن الريح تنطقه}

كنتُ واقفًا…

كأني صلاةٌ لا تُرفع.

جاءت نسمة،

ثم دارت حولي يدٌ مبلّلةٌ من نهر.

قالت:

“ارقصْ،

يا عودًا ينتظر النغمة.”

تمايلت،

أول مرةٍ أشعر أنني خفيف،

أن لي قدمين من ناي،

وخصرًا من غناء.

القصبُ…

منذ ذلك الحين،

صارَ رقصةً تمشي على صوت.

(18) كورال النساء في ليلة اكتمال النهر

{أصوات نساء – شجية، رنانة، تهدهدُ ليل سومر{

يا أنهارَنا العذبة،

يا ماءً يشبه صدرَ الأم،

حين يغني، يغتسلُ القلب.

نحنُ بناتُ الضوء،

لا نخاف من الظلال،

لأن رقصةً واحدة تكفي

لتشعلَ فجرًا في عتمةِ مدينة.

هاتوا القصب،

لنصنع منه أنغامًا،

تشبه ضحكة إنانا حين عادت من العالم السفلي.

(19) {أغنية إنانا للخلق المبتهج

صوتها – مهيب، رقيق، مملوء بحكمة الأنثى التي صنعت الفجر بيدها}

أنا إنانا،

لي جسدُ امرأة،

وروحُ لحنٍ لا يموت.

حين خلقتُ الطين،

قبّلته.

وحين سكبتُ الماء،

غنّيتُ له.

لم أخلقُ البشر ليحملوا السيوف،

بل ليحملوا العود،

ويعزفوا على وترِ العشبِ نشيدَ الأرض.

أوصيتُ القصب:

“لا تسمحوا لأحد أن ينسى أنكم كنتم نايًا قبل أن تكونوا سقفًا.”

(20)  – اتحاد الأصوات

{كورال شامل – رجال ونساء وأطفال – كأن سومر كلها تنطق بلسان واحد}

نحن الماء،

نحن الطين،

نحن القصب.

نحن الذين اخترعنا الغناءَ

قبل أن نعرف الحرب،

والحبَّ قبل أن نخاف من الجرح.

في سومر،

تولد الحياةُ من أغنية،

وتعود إلى أغنية.

سلامٌ على من يرقصُ بدل أن يُقاتل،

سلامٌ على من يبني من طينٍ لا من نار،

سلامٌ على من يسمع الناي

كأنه صوتُ الآلهة وهي تهمس:

“عِشْ… وكن جميلاً.”

حين ابتكر السومريون أول عيد – فرحٌ نقي، كأنه قمح مغسول بماء الشمس

حين انحسرَ الماءُ عن وجه الأرض،

ولم تعد الزوارق تنام فوق السطوح،

خرج أبناء سومر إلى السهل،

حفاةً، ضاحكين،

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 91 الشهر 25158 الكلي 10905805
الوقت الآن
الخميس 2025/4/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير