قصة قصيرة
وشاحه العلم لا شرشف النوم
وليد عبدالحسين
دخل دار رفيق دربه رغم كل المخاطر والتهديدات وإشارة الكثيرين عليه بعدم الذهاب خشية استهدافه أثناء التشييع من قبل قوات الاحتلال، غير أنه وبجرأته المعهودة أصرَّ على المشاركة في تشييع شريكه في درب الجهاد.
رغم هول صدمة رحيل صديقه الشهيد، إلا أنه وعند دخوله داره حيث جثمانه الطاهر، انهار أكثر ووقف شعر رأسه حينما وجد أهل الشهيد خائفين من تشييعه ووضعوا غطاء سرير نوم على جثمانه!
فقال لهم بكل فخر وشجاعة: ابنكم شهيد وبطل تاريخي سيبقى ذكره خالداً، وستسمى باسمه المدارس والشوارع، وسيأتي اليوم الذي تحتفون بذكراه ويقصد حفلكم القريب والبعيد حتى من وقف ضده وعمل على قتله!
شهيدنا يستحق أن يتشح بالعلم ويرفع على رؤوس الأشهاد، لا أن يُغطى بغطاء النوم ويدفن سراً!
ورغم مخاوفهم وامتناعهم أخذ الجثمان منهم بالقوة وعمل له تشييع مهيب حضره مئات الناس وصوَّرته الكاميرات.
وبالفعل بعد سنوات تحققت نبوءة صديق الشهيد، إذ تحوَّل صديقه الراحل إلى ماركة تجارية يتاجر بها الجميع، واستغل الخائفون بعد زوال الخطر تغير الأيام وبدأوا يظهرون أنفسهم أهل عزاء للشهيد ورفاق درب وهم يجلسون في صالات مكيفة وخلفهم صورة كبيرة لهذا الشهيد المغدور، رغم أنهم أرادوا يوم أمس أن يُدفن خلسة خوفاً من قاتليه!
واليوم يجاهرون بذكرى رحيله حينما أصبح سلَّماً يرتقون من خلاله مدرجات المغانم!
أطرق أبوذر قليلاً وتأوه مستذكراً الأيام الخوالي التي كان يقضيها مع رفيقه الشهيد وما لاقوه من المتاجرين الآن في حياته، واستغرب كثيراً من قفز هؤلاء القرود على المواقف والحقائق والتاريخ، إنهم قردة هذا الزمان بلا منازع، إلا أنه استحضر العديد من سير الأولياء والثوار والشهداء، فكلهم واجهوا ذات الحياة وذات المصير وابتلوا بذات الانتهازيين.
أنهى شرود ذهنه وحيرته واستغرابه قائلاً: إن الشهيد حي ويرى ما أرى فساعد قلبه أنه لا يقوى على الكلام والكتابة مثلي، أما أنا فقد كتبتُ ما رأيته وأرسلته للصحف كي يقرأه الناس ولا يستغربوا حينما يكونوا شهود هكذا قضية تتكرر دائماً.