الصندوق العراقي للتنمية .. ثروة سيادية
حسنين محي الدين
قد لا يعرف العراقيون بأن هناك ما يُدعى بالصندوقِ العراقي للتنميةِ الخارجية. قبل استعراض ماهية هذا الصندوق وعمله، أورد في أدناه تفاصيلَ حول أصل موضوع هذه الصناديق.
صناديق الثروة السيادية (Sovereign Wealth Fund (SWF: هي صناديق استثمارية تملكها الدول، وتأتي أغلب مواردها مِن إيرادات المواد الأولية وعلى رأسها النفط، والهدف هو إدارة واستثمار جزء من الفوائض المالية للدولة على وفق خطةٍ تجارية ربحية عبر عمليات استثمارية ذات أمد طويل خارج دول المنشأ وداخلها. أي جمع المدخرات الوطنية طويلة الأجل لصالح الأجيال المقبلة، وذلك بتنويع الاستثمارات على الصعيدَين القطاعي والجغرافي وفي مختلف المجالات مثل العقارات والأسهم والسندات والبنوك والشركات العالمية.
أنواع صناديق الثروة السيادية:
•صناديق الاستقرار Stabilization Funds :
هدفها حماية الميزانية العامة للدولة والاقتصاد من تقلبات أسعار السلع الضرورية في الغالب. بالإضافة إلى تحقيق استقرار سعر الصَّرف مقابل تقلبات ميزان المدفوعات. أي تعويض الدَّخل من الاستثمارات المالية وسدّ أيّ عجز محتمل في الميزانية.
•صناديق الادّخار Saving Funds
تُسمّى بـ«صناديق الاجيال»، وتعبّر عن رغبة الحكومات بأهميةِ أن تكون عوائد موارد البلاد الطبيعية السيادية مشتركة عبر الأجيال.
•صناديق التنمية Development Funds
تهدف إلى تشجيع التمويل والقيام بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتقوية السياسات الصناعية لزيادةِ الإنتاج المفترض للدول وتنشيط الإقتصاد، وتحديداً مشاريع البُنية التحتية.
•صناديق احتياطي التقاعد Pension Reserve Funds
احتياطيات التقاعد، توظف مواردها بغية إدامة رواتب ومعاشات شريحة المتقاعدين، وتستخدم هذه الصناديق أحياناً بمثابة نمط لمواجهة الالتزامات العرضية contingent liabilities التي تترتب بشكل طارئ على الميزانية العمومية للحكومـة.
نظام نقدي
لعبت صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرق الأوسط، دوراً مهماً في النظامين النقدي والمالي دولياً، إذ كان دورها فعالاً في إنقاذ النظام المالي الدولي خاصةً خلال الأزمة المالية لعام 2008 من خلال ضخ عشرات المليارات من الدولارات في رأس مال المؤسسات الماليّة.
يبلغ عدد هذه الصناديق قرابة 82 صندوقاً عالمياً. وتضمّ منطقة الشَّرق الأوسط 4 من أكبر 10 صناديق في العالم، تمثل 40بالمئة من إجمالي أصول الصناديق السياديّة على مستوى العالَم وتُقدَّر قوة الصناديق السيادية في الخليج بأكثر من 2.5 تريليون دولار، وتُستثمر في مجالات متنوعة كالبتروكيماويات والطيران والاتصالات وغيرها. ووفقًا لهذا المنطق، عملت دول الخليج منذ سنوات على تغذية صناديقها السياديّة بفضل عائدات النفط الضَّخمة، لاسيّما عندما كانت أسعار النفط الخام في أعلى مستوياتها في عام 2008. فعلى سبيل المثال تضع المملكة العربية السعودية في خطتها الاستراتيجية 2030 نسبة تصل إلى 30بالمئة من عوائد الصندوق السيادي بدون نفط.
كما لا ينكر الدور المميز الذي لعبه صندوق قطر للاستثمار في المساهمة بالتخفيف من حدة العقوبات التي فرضتها دول الخليج الأخرى على قطر منذ عام 2017 وحتّى الآن.علماً بأن هذا الصندوق قد أسسته الدوحة في عام 2005، ويرأسه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بأصولٍ تُقدر بنحو 328 مليار دولار.
ما يهمّ هنا:
في عام 1974 صدر قانون الصندوق العراقي للتنميةِ الخارجية رقم (77)، إذ نشأت بموجبه مؤسسة مالية عراقية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي وإداري تُدعى «الصندوق العراقي للتنمية الخارجية» ومقرّ هذه المؤسسة في بغداد، وقد عمل الصندوق على تمويل 30 مشروع متنوع الإختصاصات كجزءٍ من خطط التنمية بانشاء وتوسيع أو تطوير المشاريع الانمائية في الدول العربية والبلدان النامية. بلغت قيمة الإستثمارات 1.688 تريليون دينار عراقي محققاً عائدات سنوية مقدارها 13.184 مليار دينار. بالطبع لا يمكن مقارنة هذا الصندوق بالصناديق الأخرى خصوصاً الخليجية منها، مع ما تحمل تلك المقارنة من عدم تكافىء واضح ليس فقط على مستوى القيمة المالية وإنما على مستوى الأهتمام الحكومي أيضاً. كان من الممكن تعزيز هذا الصندوق ليكون عوناً للميزانية العراقية خصوصاً في أوقات الرخاء حينما بلغت أسعار النفط مبالغ قياسية، إذ بلغت 143 دولاراً للبرميل في عام 2008، وهذا مع الأسف لم يحدث. كان من الممكن أن نستخدم هذا الصندوق في الأزمة الحالية وقبلها دون التفكير بخططٍ آنية وحلول ترقيعية وقتية.المصيبة تكمن في ضياع سنوات ارتفاع أسعار النفط في مواضيع مدمّرة كالفساد وتغذية الصراعات السياسية والطائفية.
الأسباب الموجبة إلى دعم الصندوق العراقي للتنمية الخارجية:
إن الاقتصاد القومي العراقي اليوم بأمس الحاجة الى دعم الصندوق العراقي للتنمية الخارجية ليكون صندوقاً سياديا، أخذين بنظر الأعتبار انخفاض أسعار النفط على المستوى التكتيكي وطويل الأجل، لغرض تشجيع تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتقوية السياسات الصناعية لزيادة الإنتاج الحقيقي داخل الاقتصاد العراقي. وبلاشك سيجلب هذا النوع من هذا الدعم مجموعة من الآثار الايجابية للاقتصاد العراقي، من أهمها رفع مستوى الخدمات المقدمة، وتخفيض معدلات البطالة وتنمية القطاعات الانتاجية خصوصاً الصناعية والزراعية.
السؤال هنا: هل سيأتي اليوم الذي سنرى فيه أحد أصحاب القرار يتحدث حول دعم وتطوير هذا الصندوق؟
أستشاري اقتصادي