الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قدور بدل جدور

بواسطة azzaman

قدور بدل جدور

قيس الدباغ

 

مُنذُ تأسيسِ الدولةِ العراقيةِ، سعى الملكُ فيصلُ الأولُ -رحمهُ الله- بِكُلِّ جُهدِهِ إلى تأسيسِ الهويةِ الوطنيةِ العراقيةِ، ورعاها في قوانينَ وسُنَنٍ، ووحَّدَ جميعَ الطوائفِ والفِرَقِ والمذاهبِ تحت مظلَّةِ الهويةِ العراقيةِ. وأزالَ غالبيَّةَ الغبشِ والتفرقةِ والانقسامِ المناطقيِّ والعشائريِّ، وأحلَّ محلَّها مفاهيمَ جديدةً على المجتمعِ العراقيِّ. ولقيتْ تلك المفاهيمُ الجديدةُ قبولًا رائعًا لدى طبقةِ المثقفينَ والأفنديةِ، وتبعهم بعد ذلك بقيَّةُ فئاتِ المجتمعِ العراقيِّ؛ لأنَّ المثقفينَ كانوا يُنظَرُ إليهم كقادةَ أمناءَ للمجتمعِ العراقيِّ الجديدِ. وبقيتِ الهويةُ الوطنيةُ العراقيةُ في تصاعُدٍ وهُبوطٍ على مَدارِ الأزمنةِ بعد انتهاءِ العهدِ الملكيِّ

وأخذتْ موجاتُ اليساريةِ ثمَّ القوميةِ تَجرفُ من الهويةِ العراقيةِ الشيءَ الكثيرَ. ولكنَّ المأساةَ حدثَتْ بعد عامِ 2003، حيث صعدَتِ الطائفيةُ والمذهبيةُ والمناطقيةُ صُعودًا مَريعًا، وحدثَ الانقسامُ الأفقيُّ في المجتمعِ العراقيِّ بصورةٍ جليَّةٍ. وهذا الانقسامُ إذا وُضِعَ في ميزانِ التغييرِ للتحوُّلِ في المجتمعاتِ من الديكتاتوريةِ إلى الديمقراطيةِ، يُعتبَرُ شيئًا طبيعيًّا وليس ذا أهميةٍ قصوى. ولكنَّ الأخطرَ هو الانقسامُ العموديُّ في المجتمعِ، الذي يؤدِّي حتمًا إلى التقسيمِ والتجزئةِ والتفتُّتِ، في حين أنَّ كلَّ دولِ العالمِ تتَّجِهُ إلى الانضمامِ والتجمُّعِ في وحداتٍ اقتصاديةٍ تعودُ بالنفعِ والخيرِ على الجميعِ

لكنْ بين هذه التصوراتِ المخيفةِ، هناك مؤشراتٌ إيجابيةٌ رائعةٌ تُبرهِنُ على أنَّ المجتمعَ العراقيَّ بخيرٍ

ما زالتِ المصاهرةُ بين المذاهبِ قائمةً وتزدادُ وتتوسَّعُ

ما زالَ هناك شبابٌ يقومون بمبادراتٍ رائعةٍ للمجتمعِ العراقيِّ كُلِّهِ، بغضِّ النظرِ عن المذهبِ والعرقِ. وما ثورةُ شبابِ تشرينَ عنّا ببعيدٍ

كما أنَّ ردَّاتِ فعلِ الشبابِ في محاربةِ الابتزازِ الإلكترونيِّ، وإيقافِ بعضِ النفوسِ الضعيفةِ التي تستغلُّ الفتياتِ والنساءَ لاستدراجِهنَّ وابتزازِهنَّ، هي خيرُ دليلٍ. فهؤلاءِ الشبابُ النجباءُ يعملونَ لكلِّ العراقِ، بدونِ أيِّ تَربُّحٍ

كذلك حملاتُ التشجيرِ التي يقومُ بها الشبابُ: إنها شجراتٌ تُزرَعُ لكي تُظلِّلَ أيَّ عراقيٍّ يمرُّ بِجَنْبِها

فتحُ العيونِ والآبارِ في الصحاري لِرَويِّ الطيورِ والحيواناتِ البريةِ

وغير ذلك مئاتُ الأمثلةِ التي تُبهِجُ النفسَ وتعزِّزُ الهويةَ الوطنيةَ العراقيةَ. وفي نفسِ الوقتِ، كلُّ تلك المبادراتِ الشبابيةِ الرائعةِ تُطفئُ النيرانَ التي يُحاولُ البعضُ إشعالَها هُنا وهناكَ، بأبياتِ شعرٍ ركيكةٍ، أو أغانٍ هابطةٍ، أو مَهاوِيلَ مُتكسِّبينَ، أو مواقعَ تواصلٍ اجتماعيٍّ مأجورةٍ

كلُّ التقديرِ والاحترامِ والاعتزازِ بشبابِ العراقِ النشامى الذين يعملونَ بدافعِ الغيرةِ الوطنيةِ، وبدونِ دعمٍ، وبإمكانياتٍ فرديةٍ رائعةٍ رغمَ ضيقِ اليدِ

وعلى الذين يُشعِلونَ جَذَواتِ الطائفيةِ أن يعلموا أنَّ الحرائقَ إذا استعَرَتْ، لن يسلَمَ أحدٌ من تلك النيرانِ. فحافِظوا على أَجيالِكم ومستقبلِ أبنائِكم. وإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ العاملينَ، وهو بكلِّ شيءٍ بصيرٌ

فالعائلاتُ من الشمالِ التي تذهبُ إلى النجفِ وميسانَ للعلاجِ من الأورامِ السرطانيةِ، تعودُ لتتحدَّثَ عن جنونِ كرمِ ضيافةِ إخوانِهم في الجنوبِ. العراقُ أمانةٌ في عيونِ الشرفاءِ.

 


مشاهدات 33
الكاتب قيس الدباغ
أضيف 2025/08/09 - 2:19 PM
آخر تحديث 2025/08/10 - 11:21 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 735 الشهر 7451 الكلي 11402537
الوقت الآن
الأحد 2025/8/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير