الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التوازن الحضاري بين السلطة وحرية المواطن في الدولة الحديثة

بواسطة azzaman

التوازن الحضاري بين السلطة وحرية المواطن في الدولة الحديثة

محمد عبد الجبار الشبوط

 

تمثل العلاقة بين سلطة الدولة وحرية المواطن واحدة من أعقد الإشكاليات في الفكر السياسي، وخصوصًا في الأنظمة الديمقراطية. فبينما تحتاج الدولة إلى فرض سلطتها لحفظ النظام وتسيير شؤون المجتمع، يتمسّك المواطن بحقه في الحرية الفردية بعيدًا عن الإكراه. وهنا يبرز النموذج المفهومي المتقدم الذي تقترحه «الدولة الحضارية الحديثة»، حيث يتم تجاوز هذا التوتر ضمن رؤية متوازنة مدنية وأخلاقية تُعيد تعريف العلاقة بين السلطة والحرية.

الشرعية من الشعب: السلطة كنتاج للإرادة الجمعية

في الدولة الحضارية الحديثة، تستمد الدولة شرعيتها من الإرادة الحرة للمواطنين، عبر الانتخابات والمشاركة السياسية والرقابة الشعبية. هذا يجعل فرض السلطة أداة مشروعة نابعة من التوافق العام، وليست قوة فوقية مفروضة. السلطة، في هذا السياق، ليست عدوانًا على الحرية، بل هي تعبير منظم عنها.

القانون: ضمان للحرية لا أداة للقمع

يؤدي القانون دورًا محوريًا في تحقيق هذا التوازن؛ فبدل أن يكون وسيلة لتقييد الحريات، يتحول في الدولة الحضارية الحديثة إلى تعبير عن التوافق الأخلاقي والمصلحي للمجتمع، ينظّم الحرية ضمن إطار يحترم المصلحة العامة وحقوق الآخرين، ويُرسي قاعدة «الحرية المسؤولة» التي لا تنقلب إلى فوضى.

القيم الأخلاقية: ضابط ناعم للسلوك الفردي والجماعي

إلى جانب القانون، تعتمد الدولة الحضارية الحديثة على منظومة قيم عليا كضابط حضاري داخلي يوجّه سلوك الأفراد ويمنح الحرية بُعدًا أخلاقيًا. فالعدالة، والكرامة، والتكافل، والصدق، والمواطنة الفاعلة، ليست مجرد شعارات بل قواعد سلوكية تحكم العلاقات داخل الدولة الحديثة وتضمن عدم تحوّل الحرية إلى أداة لتجاوز القانون أو قمع الآخرين.

المؤسسات المستقلة والفصل بين السلطات

يُشكّل مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء أحد أعمدة الدولة الحضارية الحديثة، بما يضمن ضبط السلطة ومنع تغوّلها. فالمواطن يمتلك حق الاعتراض والمساءلة القانونية ضمن منظومة مؤسسية رصينة، تعزز الثقة المتبادلة بين السلطة والمجتمع.

الثقافة السياسية الديمقراطية: الحرية كمسؤولية

تحرص الدولة الحضارية الحديثة على بناء ثقافة سياسية مدنية تؤهل المواطن لممارسة حريته بطريقة مسؤولة، وتهيئه للمشاركة الفاعلة في الشأن العام. هذا الوعي الجديد يجعل من الحرية ممارسة حضارية ترتبط بالواجب الاجتماعي، لا مجرّد تحرر فردي من القيود.

الخلاصة

تعيد الدولة الحضارية الحديثة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس عقلانية وأخلاقية، تجعل من السلطة وظيفة خادمة للمجتمع، ومن الحرية مسؤولية واعية تُمارس في إطار من القيم والقانون. وهكذا يتحقق التوازن المطلوب: دولة قوية عادلة، ومواطن حر واعٍ، ومجتمع منظم يسير بثقة نحو المستقبل.

 


مشاهدات 56
الكاتب محمد عبد الجبار الشبوط
أضيف 2025/05/11 - 2:38 PM
آخر تحديث 2025/05/13 - 2:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 161 الشهر 15477 الكلي 11009481
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/5/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير