مباحثات امريكا ـ ايران ضوء في نهاية النفق المظلم
عباس الصباغ
رغم التقليل من اهميتها بسبب عدم الثقة بالولايات المتحدة من قبل المرشد الاعلى خامنئي، الا ان ترمب من جانبه اشاد بالجولة الاولى من اللقاء غير "المباشر" حسب رغبة ايران عكس رغبة امريكا ، والذي تركّز على (تهدئة التوتر في المنطقة وتبادل السجناء والتوصل إلى اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات على إيران مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني) ووصف ترمب اللقاء بالايجابي والمثمر ، والمناخ العام للمنطقة يذهب إلى أن جولة مسقط تمثل محاولة جديدة لإعادة (الزخم الدبلوماسي) بعد شهور من الجمود بسبب انسحاب ترمب من المفاوضات التي سميت(5+ 1) والتي جرت في عهد الرئيس الاسبق اوباما ، وبعد عقود طويلة من المقاطعة الدبلوماسية بين الطرفين والعداوة المستمرة بينهما منذ الاطاحة بحكومة الشاه وتاسيس الجمهورية الاسلامية عام 1979، وكان اتفاق 2015 الذي انسحبت منه واشنطن بعد ثلاث سنوات يهدف إلى الحؤول دون امتلاك إيران السلاح الذري لكن تسرّع ترمب في الانسحاب منه ومن جانب واحد افسد كل الخطوات اللاحقة .
من ناحيتها، تريد واشنطن منع إيران من الاقتراب من تطوير قنبلة نووية من خلال إجبارها على تفكيك برنامجها النووي، فيما تؤكد طهران أن البرنامج مخصص للأغراض المدنية والسلمية فقط لوجود اكثر من (54) موردا للاستخدام السلمي للطاقة النووية منها الطبية . وحجة امريكا ان ايران ببلوغها عتبة تخصيب عند مستوى 60%، تقترب من نسبة 90% اللازمة لصنع سلاح نووي وهو مايهدد اسرائيل والامن القومي الامريكي بحسب راي امريكا ، فيكون هدف امريكا النهائي ضمان عدم تمكّن إيران من امتلاك سلاح نووي ، وأن ترامب يؤمن بالدبلوماسية، لكن كل الخيارات مطروحة على الطاولة إذا لم تفلح الجهود الدبلوماسية، و في حال فشل المحادثات ستكون إيران في خطر كبير حسب قول ترمب .
وقد جرت جولة مباحثات مسقط وسط كمّ هائل من التهديدات المتبادبة وعرض العضلات والتلويح بالهجوم الكاسح المدمر وانتهاج سياسة الضغوط القصوى والاستعداد لشن الحرب بدليل وجود الكثير من حاملات الطائرات والتلويح بغلق مضيق هرمز وشلّ حركة التجارة العالمية ، ومع هذا ان تلك الجولة التي لاتريد امريكا ان تكون مفتوحة الى مالانهاية كون الأميركان، يطالبون بمفاوضات مباشرة وشاملة ومحددة بسقف زمني قصير ، ورغم انعدام الثقة بين الطرفين الا انها جرت في أجواء "بناءة" وهادئة بموجب قول الطرفين اللذين تعاملا بلباقة دبلوماسية لم تعهد من قبل ، وكانت امريكا تلوح دائما ما بسياسة «حافة الهاوية» هي استراتيجية تقوم على اساس دفع الخصم إلى حافة النزاع أو الكارثة بغية إجباره على تقديم تنازلات لصالح الطرف الآخر ، وتعتمد هذه السياسة على التهديد باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية القصوى مع الاعتقاد أن الطرف الآخر وخوفًا من الكارثة الشاملة سيتراجع في نهاية المطاف(والمقصود هو ايران طبعا ).
كانت النتائج الاولية لهذا اللقاء : ان وزير الخارجية الإيراني الدبلوماسي المحترف والمفاوض عباس عراقجي قال :(أعتقد أننا قريبون للغاية من التوصل إلى أساس للمفاوضات وإذا تمكنّا من التوصل إلى هذا الأساس الأسبوع المقبل فإننا سنكون قد قطعنا شوطا طويلا وسنكون قادرين على بدء مناقشات حقيقية بناء على ذلك) ، ومن الامور التي تبشر بخير ان وكالة الاستخبارات الامريكية ووكالة الطاقة الذرية أعلنتا مؤخراً بأن إيران لا تملك مقدمات صنع القنبلة النووية ، وهناك رسائل مهمة وإيجابية وصلت من واشنطن الى طهران تعزز التوقعات والآمال نحو تقارب بين الطرفين ، من جانبه ذكر بيان للبيت الأبيض أن المحادثات كانت إيجابية وبناءة للغاية، و خطوة للأمام في تحقيق نتيجة مفيدة للطرفين.
بعد ان كانت طهران ترفض سابقاً أية مفاوضات مع واشنطن في ظل سياسة (العقوبات القصوى)، وكانت تشترط رفع تلك العقوبات لبدء المفاوضات، وهو ما تنازلت عنه عقب الرسالة الحازمة للرئيس ترمب ، والجميع يعلم ان فشل هذه المفاوضات ودخول تهديد الرئيس ترمب بتوجيه ضربة حاسمة (ومعه حليفته اسرائيل) حيّز التنفيذ فانه لايوجد رابح ـ رابح على جميع الاصعدة وستكون الشرارة الاولى لقيام حرب عالمية ثالثة لاسمح الله .