الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يستفيق الطين على نُبلِ قلوبكم لشوقي كريم حسن


دراسة نقديه حديثة تاريخية وسيميائية

حين يستفيق الطين على نُبلِ قلوبكم لشوقي كريم حسن

عبدالكريم الحلو

 

* صباح سومري بنكهة آشورية

القصيدة :

#صباحُ الندى،

حين يمرُّ على وجوهٍ لا تُشبه إلا الصفاء،

على قلوبٍ ما عرفت إلا النُّبلَ طريقًا

وما اختارتْ غيرَ الجمالِ سكناً لها.

صباحُ الذين يشبهون النهرَ إذا ابتسم،

والماءَ إذا رقّ،

والنخلةَ إذا همستْ للريحِ أن لا تعصف.

يا أبناء سومر،

يا مَن شربتم الحرفَ قبل أن يُكتب،

وغسلتم أرواحكم بأنخابِ الحكمة،

ها هو الفجرُ يفتحُ راحتيه لتحيتكم،

ويكتبُ على جبينه:

“هنا مرّ النبلاء”.

يا أبناء بابل،

صُنّاعُ العطرِ من دمعةٍ والأملِ من تعب،

لكم هذا الصباحُ المذهّب،

لكم شمسٌ لا تشرقُ إلا لتلثم أياديكم البيضاء.

يا أبناء آشور،

كلّ المجدِ ينتعلُ خطاكم،

وكلّ سلامٍ يعقدُ معكم ميثاقَه الأزلي.

لكم تحيةٌ،

من قصيدةٍ لم تُكتَب بعد،

من قُبلةٍ خبّأها الزمنُ في خدِّ الحياة،

لكم بوحُ الجمال،

وأنتم منابعه.

{شوقي كريم حسن)

دراسة تاريخية وسميائية حديثة للنص البهيّ:

“ حينَ يستفيقُ الطينُ على نُبلِ قلوبكم”

للشاعر شوقي كريم حسن،

* في هذه الدراسة سنكتشف فيها الخلفيات التاريخية التي يستند إليها النص، ونوضح كيف تم توظيف الرموز الرافدينية لبناء خطاب يربط بين الماضي المجيد والحاضر الإنساني.

" ( سومر - بابل ) نشيد الجمال المغمور "

  -------------------------------------

  (  ١  )  الدراسة التاريخية   :  في نص:  “ حين يستفيق الطين على نُبل قلوبكم”

تمهيد: التاريخ كنبض في الشعر

* الشاعر في هذا النص لا يستحضر التاريخ بوصفه أرشيفًا للأحداث، بل كـ”ذاكرة حيّة” تجري في دم الإنسان العراقي. هو تاريخ يُعاد بعثه لا ليستعاد، بل ليكون مرآة للحاضر ودليلًا على أن النُّبل أصيلٌ في تكوين الإنسان السومري البابلي الآشوري، لا طارئٌ عليه.

1. الطين بين الأسطورة والتاريخ :

• الطين في حضارات وادي الرافدين (سومر، بابل، آشور) ليس مجرد مادة بناء أو رمز ديني، بل مادة الخلق الأولى:

• في ملحمة الخليقة البابلية (إنوما إليش)، يُخلق الإنسان من طينٍ ممزوج بدم الإله.

• كذلك في أسطورة أتراحاسيس السومرية، يتم صنع البشر من الطين ليرتاح الآلهة من العمل.

وبالتالي، حين يفتتح الشاعر نصه بـ”حينَ يستفيق الطين”، فهو يُشير إلى لحظة خلق ثانية، لا جسدية، بل أخلاقية وروحية.

2. سومر، بابل، آشور  :

    رموز هوية تاريخية متكاملة

 

أبناء سومر:

• سومر أول حضارة مدوَّنة، وأهلها أول من خطّ الحرف وكتب الشعر والأساطير.

• حين يقول الشاعر: “يا مَن شربتم الحرفَ قبل أن يُكتب”، فهو لا يتحدث مجازًا، بل يُلمّح إلى حقيقة أن السومريين ابتكروا الكتابة المسمارية، فصاروا رمزًا للمعرفة البدئية.

أبناء بابل:

• بابل، مدينة الحضارة، والقانون، والملحمة.

• “صنّاعُ العطرِ من دمعةٍ، والأملِ من تعب” يُحيلنا إلى أسطورة جلجامش، حيث الحزن (دمعة) يتحول إلى سعيٍ أبدي للحكمة والخلود.

• وفي رمز العطر من دمعة، نجد استحضارًا لصنعة الحياة من الألم، كما فعل البابليون حين بنوا الجمال وسط تحديات الطبيعة والحروب.

أبناء آشور:

• آشور، رمز السلطة والعسكرة والتنظيم، لكن أيضًا رمز المجد المعماري والحضاري.

• عبارة: “كلّ المجدِ ينتعلُ خطاكم” تشير إلى أن الحاضر لا يستمد شرعيته إلا من هذه الأقدام الآشورية التي خطّت المجد على حجارة الزمان.

3. التاريخ الحيّ لا الجامد

• الشاعر لا يضع الحضارات الثلاث في قوالب تمجيدية فقط، بل ينقلها إلى الحاضر، حين يقول:

“ها هو الفجرُ يفتحُ راحتيه لتحيتكم”

• الفجر هنا ليس زمنًا بل رمز لبداية جديدة، والتاريخ هو من يفتح يديه.

• هذه الصورة تُعبّر عن تاريخ يعانق أبناءه، لا يوبخهم أو يعاتبهم، بل ينهض فيهم كل صباح.

4. التاريخ بوصفه سلالة للنبل والجمال

• النبالة التي يتحدث عنها الشاعر ليست مجرد صفة أخلاقية، بل وريثة حضارات:

• النبل هنا يُستمد من الأرض التي عرفت الأسطورة، والمعرفة، والسماء.

• في كل جملة هناك بصمة حضارية: الحرف، النهر، النخلة، السلام، الفجر، القصيدة… وهي رموز رافدينية عريقة أعاد الشاعر تفعيلها.

5. الكتابة كوثيقة تاريخية جديدة

• في قوله: “قصيدة لم تُكتب بعد”، يفتح الشاعر أفقًا جديدًا:

• التاريخ لم ينتهِ، بل يتجدّد بكم، وأنتم من تكتبون الفصل القادم.

• هذه القصيدة غير المكتوبة هي مستقبل العراق إذا نهضت جذوره.

* هذا النص هو وثيقة حب تاريخية، يكتبها شوقي كريم حسن لا بمداد المؤرخ، بل بنبض الشاعر الذي يرى في الطين العراقي نُبلًا أبديًّا. النص لا يستعيد الحضارة ليتغنى بها فحسب، بل ليستنهضها في القارئ، ليقول له:

أنت ابن حضارات لا تنطفئ، ومهما أتعبك الزمن، يكفي أن تنظر في طينك، فتجد فيه نُبل سومر، وجمال بابل، ومجد آشور.

* بهذه الطريقة، يتحول النص إلى حفر معرفي في الذاكرة الجمعية، وبناء حوار حضاري بين التاريخ والوجدان.

الدراسة السيميائية    :

مدخل سيميائي عام

* في هذا النص، تتقاطع العلامات اللغوية مع الرموز الحضارية والمكونات الوجدانية، لتُنتج خطابًا جمالياً مركبًا تُشكّل فيه المفردات أداة إضاءة على هوية الإنسان العراقي، من خلال استدعاء جذوره السومرية والبابلية والآشورية، بوصفها رموزًا للكرامة والجمال والنبل والخلق.

1. العلامة المركزية: “الطين”

• دلالة الطين: في السياق السيميائي، الطين ليس مجرد مادة، بل هو رمز الأصل البشري الأول، وارتباطه بـ”الاستفاقة” يفتح النص على أفق بعث حضاري ووجداني، وكأنّ الإنسان العراقي يستيقظ من سباته على جوهره النقي.

• الطين هنا: ليس خاملاً، بل كيان حي يُستنهض عبر النبل. هذه العلاقة بين المادة والطهر تنقلنا من دلالة الخلق المادي إلى الخلق القيمي والمعنوي.

2. الحقل الدلالي للنبل

• النبل في النص ليس قيمة مجردة، بل هو طاقة إشراق تُنير النص برمّته. “القلوب النبيلة” ليست موضوعًا خارجيا بل ذات النص، وهي حاملة معناه ومصدر جماله.

• تتكاثف علامات النبل عبر الصور: “الصفاء”، “النهر إذا ابتسم”، “النخلة إذا همست”، لتتجلى في النهاية بوصفها أيقونة النص.

3. بنية التوازي الرمزي بين الإنسان والمكان

• هناك تماهٍ بين الإنسان وأرضه:

• أبناء سومر، بابل، آشور: لا يُذكرون كحقيقة تاريخية فقط، بل كدلالة على استمرارية النبل والعطاء.

• هذه المدن تحولت من أسماء جغرافية إلى شخصيات سيميائية تحمل معاني الكرامة، الحكمة، والصبر.

• استخدام الفعل الماضي مثل “شربتم الحرف” و”غسلتم أرواحكم” يُشير إلى تشبّع الذات العراقية بتاريخها الحضاري.

4. تجليات الطبيعة كعلامات للكينونة العراقية

• النص يستدعي الطبيعة كعلامات جمالية وإنسانية:

• “الماء إذا رقّ”، “النهر إذا ابتسم”، “النخلة إذا همست”؛ كلها تحولات تشخيصية للطبيعة تتماهى مع مشاعر الإنسان النبيل.

• هذه العلامات لا تعبر عن جمال الطبيعة بحد ذاته، بل تُسقط عليها قيمًا أخلاقية وإنسانية، مما يجعل الطبيعة شريكة في هذا النبل.

5. العلامات الميتافيزيقية والرسالية

• “ها هو الفجر يفتح راحتيه لتحيتكم”: الفجر يُقدَّم ككائن حي، يحيّي النبلاء. هنا تتحول مفردة “الفجر” إلى علامة بعثٍ ونقاءٍ وإشراق.

• “قصيدة لم تُكتب بعد” و”قُبلة خبّأها الزمن”: علامات تؤكد أن الإنسان النبيل يُنتج الجمال حتى قبل تجليه المادي. فالنبل هنا سابق للغة وللكتابة.

6. التوقيع السيميائي الأخير: “منابعه”

• النص يختم بجملة قوية: “لكم بوح الجمال، وأنتم منابعه”، ليجعل من الإنسان العراقي مصدر الجمال لا متلقيه.

• هذه الجملة تحوّل القارئ من متأمل إلى فاعل في إنتاج المعنى، وتُعلن أن النبل ليس استثناءً، بل أصل في الكينونة العراقية.

* نص شوقي كريم حسن ليس مجرد احتفاء بالإنسان العراقي، بل هو إعادة تشكيل سيميائية لهويته الحضارية، عبر بنية لغوية زاخرة بالعلامات الرمزية والصور المتحركة. وقد استطاع الشاعر أن يحوّل الكلمات إلى كائنات حيّة تُحاور القارئ وتستنهض فيه الذاكرة والجمال والكرامة.

* نص كهذا لا يُقرأ بل يُستدرج، لا يُفكك بل يُنصت له، لأنه لا يُعلن المعنى بل يهمس به من أعماق الطين إلى قلب القارئ.

تقييم موجز للقصيدة والشاعر:

القصيدة:

* نصّ شعريّ إنسانيّ ـ حضاريّ، ينهل من الذاكرة الرافدينية العميقة ليبثَّ إشراقًا روحيًا معاصرًا. لغته عالية، مشحونة بالرموز التاريخية والنبل الأخلاقي، وتستند إلى أسلوبٍ بلاغيّ شفيف يوائم بين الشعر والخطاب.

الشاعر شوقي كريم حسن:

* كاتب وشاعر يمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا، وتاريخًا أدبيًا طويلًا، تتقاطع في نصوصه الحكمة مع التجربة، وتُشرق فيها روح العراق بعمقها الحضاري. وهو أحد الأصوات العراقية التي تُراهن على الوعي والجمال، وتُجيد التفاعل مع الذاكرة بوصفها حاضرًا حيًّا.

عشنا معك صباحاً جميلاً

من صباحات الرافدين

نشيد النبل في وجوه العراقيين

كان صباحاً ندياً وبارداً و عطراً بكم ياشوقي

ايها الكبير حتى من اسمك لديك حظ نصيب

 كل الشوق والمحبة لكم  دوماً.

الدكتور عبدالكريم الحلو


مشاهدات 58
الكاتب عبدالكريم الحلو
أضيف 2025/04/20 - 4:27 PM
آخر تحديث 2025/04/21 - 3:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 210 الشهر 21368 الكلي 10902015
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير