الزيارات الميدانية للمسؤولين في العراق، استعراضية، تكتسي بهرجة إعلامية مبالغاً فيها عبر الأذرع الدعائية الممولة من الدولة، وتصاحب الوزراء والمحافظين وسواهم مع اول صعودهم الى المناصب، وتظهر ذلك الحرص «المصطنع» على متابعة تفاصيل الدوائر والمؤسسات وشؤون المواطنين، غير انّ ذلك يشبه هبة اللهب التي عمرها ثوان أو أقل، ولا نجد ربعه او عشره مع منتصف فترة ولاية الوزير او حين يسمع ان هناك تغييرا وزاريا قد يشمله.
نريد من الوزراء أن يقفوا مرةً او مرتين صيفاً أو شتاءاً في طابور انتظار معاملات مواطنين لا تزال طرق إنجازها تسير على وفق عادات في العمل الإداري عمرها عقود عديدة. نطمح ان يطلع الوزير على شكاوى المواطنين ميدانيا في كل دائرة تتبع وزارته، ولا يكتفي بالسماع من طبقة المديرين العامين الثخينة في حجب الحقائق، أو طبقة وكيلي الوزارات، «علماء» اسرار الشأن الداخلي للوزارات الذين يسير معظم الوزراء على خطواتهم ومساراتهم اضطرارا، لجهل في المعلومات أو تكاسل في التعلم أو نقص في الخبرة أو تواطؤ مع توافقات السياسية التي تمسك برقبة الخدمة العامة في البلد.
الزيارات الموقعية لها اهداف في تسريع الإنجاز والوقوف على المشاكل ومعرفة خبايا العمل من مواقع ادنى، بل انّ كل زيارة ميدانية يجب ان تقوم عليها دراسة من مديريات التخطيط من اجل تصويب مسار او اجتراح مسار جديد لم يكن مطروقاً فضلا عما تمنحه من قدرة على توسيع الافاق التصميمية للخدمات، لكنها في وضعها الحكومي الحالي لا تغني ولا تسمن، وتشبه هشيما تذروه الرياح.
على طريقة «صوّرني وأنا ما أدري» اعتاش السياسيون والمسؤولون كثيراً، لكن العراقيين فطنوا الى الألاعيب وسبروا أسرارها.
في جانب آخر، لا يزال معظم الوزراء لا يعون انّ مسؤولياتهم من المفترض ان تغطي جميع المحافظات وليست مهمات انتقائية في زيارة محافظة او مدينة ينحدر منها الوزير أو زوجته في حين انّ دوائر مرتبطة بالوزارة في مدن كثيرة محرومة طوال تولي الوزير مهامه من زيارات ميدانية تعطي دعما وتعالج اختناقات لابد من تدخل الوزير لفكها.
لذلك تكون الزيارات غير القابلة لمنح العمل البدائل والنتائج الدافعة لعجلته الى امام، معوقاً اخر بحد ذاتها من معوقات التطوير الخدمي والإداري، لأنّ حالها كحال حشو البطن بطعام خال من اية قيمة غذائية، ليس له من صفة سوى ما يصير اليه من فضلات .
رئيس التحرير-الطبعة الدولية