وأنت ترى وتسمع النقاشات والجدالات وحجم الشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وفي كل المواضيع السياسية، الفكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، الزراعية، الرياضية، حتى صار كل من هبّ ودبّ يتحدث في كل شيء بنفس الطريقة ونفس اللغة ونفس الضحالة.
وأنت تشاهد بعض المحللين السياسيين من أصحاب المواقف المتغيرة حسب القنوات المستضيفة أو ما يدفع لهم من أموال، تعتقد أنه لا يوجد حد فاصل بين الهزل والسطحيات من جهة والجد والعمق الفكري من جهة أخرى.
وأنت تسمع وترى حجم الفساد والكذب والنتائج المضللة والضحك على الذقون في معظم مجالات الحياة اليومية (الأسواق، الشوارع، التجارة، الإعلانات، المؤسسات الحكومية والاهلية)، تشك أنك تعيش في عالم العلم والمعرفة والتكنولوجيا، بل تعيش في عالم افتراضي هزلي من حق أي إنسان فيه أن يكون تافها.
عندما ترى حجم التدليس السياسي والشعارات المرفوعة زورا باسم الدين والمذهب والقومية والوطن والديمقراطية والدستور تصاب بخيبة أمل ويغمرك اليأس بتغير الواقع المرير.
بعد كل هذا وأكثر أصبحنا نعتقد به أن أحد الحقوق الأساسية للعراقيين هي “الحق في التفاهة والسفاهة”، وربما نطلب من البرلمان تشريع ذلك بقانون ( يحقّ لكل عراقي أن يكون تافها وسفيها دون أن يتمّ وصمُه أو السخرية منه، كما أن من واجب الحكومة والمجتمع وكل مؤسسات الدولة تمكينه من هذا الحقّ المشروع كبقية الحقوق مثل حقه بالتعليم والصحة والعيش الكريم..).
لقد حان الوقت أن يعترف المثقفون أنهم مخطئون في مواقفهم السابقة حول التقليل من شأن التفاهات وتعظيم السفاهات، كما ورد في رواية “الشحاذ” لنجيب محفوظ (حق متعبي القرن العشرين التسلي بالتفاهة والسفاهة)، لأن معظم المثقفين بقوا لسنوات طويلة أسيروا فكرة مسبقة وضيقة تحط من شأن التافهين والسفهاء، ولم يكتشفوا الحقيقة الا “بعد رحيل العمر” بأنهم على خطأ كبير، وسيعملون جميعا أن شاء الله على تلافي ذلك، عبر دعم حقوق التافهين والتافهات والسفهاء والسفيهات، وسيخصصون حيزا مهما من وقتهم ومقالاتهم ومؤلفاتهم وجهودهم لتكريس ذلك مستقبلا.
ربما يأتي يوم نحتفي ونقدم الجوائز فيه لأفضل التافهين والسفهاء من كلا الجنسين لمن هم في السياسة والاقتصاد والمسؤولية والفن والثقافة والتعليم والطب والرياضة والطبخ والإعلانات التجارية.
طبيب عراقي