فاتح عبد السلام
جميع التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية والعربية والدولية تُجمع على انّ عملية “طوفان الأقصى” للمقاومة في غزة، كانت نتاج سنوات من التخطيط والاعداد والتصنيع العسكري، وفي اقل التقديرات المذكورة فانَّ هذه العملية تحتاج ثلاث سنوات من التدريب والتحضيرات. وانّ المشاركين في الهجوم هم من قوات النخبة، وليس لأي مقاتل إمكانية ان يكون من ضمن تلك القوة المهاجمة، كسياق عسكري عام. ومحور المقاومة المحرج من قراره « ضبط النفس” الذي امتدحه وزير الدفاع الإسرائيلي امس، خرج بتسريبات عن انّ قوة حماس تدربت على مدى عام كامل في معسكرات في ايران، وهذا يناقض التصريحات التي اعلنها المكتب السياسي لحركة حماس في انّ الهجوم العسكري كان من اعداد الداخل الفلسطيني حصرا، ولا أحد يعلم به، حتى حركة “الجهاد” علمت بالهجوم قبيل وقت قصير جداً.
ودائما في زمن الحروب والاحداث الكبيرة، وحين تختلط الاخبار والتصريحات بين الواقعي فعلا واللفظي الطائر منها، نجد مَن تعبر عليه للوهلة الأولى اكذوبة انّ قوة بحجم ألف مقاتل من حماس، عليها مليون عين استخبارية، تسافر بأمان من غزة الى إيران وتتدرب هناك، ثم تعود من دون ان يعلم أحد. طبعاً هذا الاحتمال مستحيل التحقيق، لكنه نزل الى ميدان التسابق الإعلامي لملء فراغ الاحراج الشعبي من عدم مشاركة محور» المقاومة الإيراني» بالحرب، بعد ان استقرت قناعة إسرائيل والولايات المتحدة على انه لا يوجد طرف خارجي والمقصود إيراني مباشر او عبر حزب الله، سيشترك في النزاع. وقد لعبت الدبلوماسية السرية لدول عربية على صلة طيبة مع مختلف الأطراف في نقل الرسائل واستلام الأجوبة الواضحة من إيران وحزب الله اللبناني معاً.
لماذا في الأساس، يوجد احتمال ان تشترك إيران في هذه الحرب؟ وكيف يمكن ان يكون هناك سيناريو سبيل للمشاركة، الا من خلال إطلاق صواريخ، بات من المستحيل ان يجري اطلاقها، اذا لم تتعرض طهران والمراكز الحيوية في ايران الى هجوم كبير ومباشر، وهذا من المستحيلات التي لا تغذي حدوثها الولايات المتحدة حتى لو لوّحت تل ابيب بذلك عدة مرات، ولأسباب باتت معروفة في الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط الذي يخلو من قوة عربية تملأ الفراغ بعد العام 2003.
هل يمكن استيعاب الربط بين الاعداد السري لحماس في تنفيذ الهجوم المفاجئ لاقتحام جزء من الحدود في غلاف غزة، وبين أن يتم الدفع بالشباب العربي المُحب للأقصى والمقدسات عاريي الصدور لاقتحام الحدود من جهة الأردن او مصر أو لبنان، وهم مدنيون لن يكون لهم أي تأثير في سياق معركة كبيرة لا تزال تجري على الأرض حتى الان؟
مَن يدفع الى هذا الخيار الاستغلالي للعواطف، لجعل الشباب العربي في عين محرقة من دون نتيجة، الا يكفي هذا الثمن الغالي من شهداء غزة بالالاف من المدنيين ؟
انّ فكرة فتح الحدود كانت متداولة عقوداً طويلة على أساس مشاركة جيوش عربية مقتدرة العدة والعدد، اذا نشبت الحرب مع اسرائيل، وهذا الامر لم يعد له وجود على طاولة اية عاصمة عربية، بعد اكتمال اتفاقيات التطبيع، وخروج العراق من دائرة الصراع فعلياً وليس لفظياً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية