البرلمان .. مطرقة الفوضى وسندان الشعب
سعد محمد الكعبي
في مشهد لا يليق بمقام الدولة، ولا يعبّر عن وجدان الأمة تحوّل البرلمان العراقي اليوم إلى ما يشبه سوقًا شعبية تملؤه الصراخات، وتطغى عليه المفردات العربنجية الخارجة عن اللياقة، التي تسرّبت من ألسنة عدد من النواب، وهم يتقاذفون التهم، ويتبادلون الشتائم، قبل أن تتطور الأحداث إلى اشتباكٍ بالأيدي
تلك القاعة التي يفترض أن تكون بيتًا للشعب، ومنبرًا للتشريع، ومحرابًا للدستور، تحوّلت ولو لساعات إلى مسرح للفوضى السياسية والانفعالات اللامسؤولة، وسط ذهول العراقيين الذين يتابعون المشهد من خلف الشاشات، متسائلين: هل هؤلاء من حملوا آمال الناس وأقسموا على خدمة الوطن؟ أم أنهم تجّار شعارات، استبدلوا هموم الناس بصفقات، ومعارك كراسي، وولاءات عابرة للحدود؟
المثير للأسى أن المشهد ليس جديدًا، بل هو امتداد لحلقات متكررة من التوتر داخل البرلمان، يخرج منها المتخاصمون أبطالًا في الإعلام، ويعود المواطن خالي الوفاض، لا يرى في الأفق قانونًا يُقرّ، ولا أزمة تُحل، ولا كهرباء تُعاد، ولا مشروعًا وطنيًّا يولد من رحم هذا الصخب إن تراشق المفردات السوقية من قبل بعض النواب ليس مجرد زلّة لسان، بل مؤشر خطير على تردّي لغة الخطاب السياسي في البلاد، وانحدار الذوق العام تحت قبّة البرلمان، حيث من المفترض أن تكون اللغة أداة للحوار، لا سيفًا للشتيمة
أما الاشتباك بالأيدي، فيعكس هشاشة العلاقة بين الكتل السياسية، والاحتقان المتراكم، وغياب الرؤية الوطنية المشتركة. فبدل أن يتراشقوا بالبرامج والمقترحات، تراشقوا بالأيدي والشتائم، وكأنهم في معركة شخصية، لا في مؤسسة تشريعية
هنا، لا بد من وقفة وطنية حقيقية: إنّ استمرار هذه السلوكيات سيقوّض ما تبقّى من ثقة الشعب بممثليه، وسيزيد من الهوة بين المواطن والسلطة، ويعمّق الإحساس الجماعي بأن البرلمان أصبح عبئًا لا أملًا
ختامًا، نقول لهؤلاء النواب الشعب الذي انتخبكم يستحق منكم الوقار، لا الوعيد؛ الاحترام، لا الشتيمة؛ القانون، لا الفوضى. فإن لم تعودوا إلى رشدكم البرلماني، فلتستعدوا لحكم التاريخ، ولغضب الناس، فالأمة التي ترى برلمانها يتصارع بهذه الطريقة، لن تصبر طويلًا.