الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
آلة مهددة بالرحيل

بواسطة azzaman

آلة مهددة بالرحيل

فاطمة حمزة

 

مع كل براعة اختراع، يتخلى الإنسان عن ذاته الحقيقية، وينسلخ عن واقعه من أجل مواكبة عصر الخرافة الذي أنهكه بكبسة زر. هذه الكبسة التي غيرت حياة الآلاف وعطلتهم أيضا، لأن الأمر لم يكن بهذه السهولة. لم يكن الغرض من الاختراعات هو خدمة الإنسان بمعناها المتكامل، لم يكن القصد والمحور هو الإنسان. لو كان ذلك حقا، لكانت آلة الحاسبة، بحسب معايير هذا القرن، اختراعًا مبهرا وجديدًا. ولكن الأمر لم يتوقف هنا، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي يروج نفسه كإنقاذ للبشرية من الهلاك.

ولكن الإنسان أغفل أمرًا دقيقا : لقد أغفل أن يتساءل قليلا كيف تم اختراع هذه الأشياء؟

وما هو المصدر الذي تم الاعتماد عليه؟ لو توقف قليلا ، لوجد أنه تم سرقة ذاته الحقيقية وتعطيلها من أجل ابتكار هذه الآلات التي تعمل الآن. فنظام الحاسوب ليس سوى نظام متكامل تمت سرقته من الإنسان، وكل يوم يزداد الأمر تطورًا حتى يواكب ويلحق بالعبقرية التي خلقها الله وعلى الرغم من ذلك، وكل الجهود التي تبذل خلف هذه الشاشات يوميا لكي يصبح الإنسان هو الآلة والتكنولوجيا هي المتحكم الرئيسي، فإن هذا أيضا يعود إلى جهات أخرى هدفها تدمير الأرض.

فبدلاً من أن يقرأ الإنسان، ويفكر، ويحلل، ويستخرج الأشياء المنطقية ويصورها، صوّروا له تلك الآلات بالنطق، وكأن شخصا آخر يجلس معه ويتحدث. وهذا الجانب أيضا أدى إلى تراجع التواصل الاجتماعي بين الأفراد، بل وحتى التواصل مع نفسه. فالتفرد الذاتي خلف تلك الشاشات والصوت الآلي يجعل الإنسان في بؤرة مغلقة، لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره، ولا يعرف اهتماماته الحقيقية، ولا يعرف كيف يفكر ويحل مشاكله الذاتية. طبيعة معرفته وخبراته أصبحت عقيمة.

ولو أراد المتمعن في علم النفس، وتحديدًا في علم النفس المعرفي القائم على طبيعة التفكير، أن يحدد النظريات الأولى التي تؤكد وجود ترابط بين نظام الدماغ الإنساني، والحاسوب، لوجد أن "جورج. أ. ميلر" كان أوائل من ساهموا في وضع اتجاه نظرية بعنوان "معالجة المعلومات"، حيث حاول جاهدًا أن يفهم كيف يفكر الإنسان، وما هي الطرق والسبل التي يسلكها من أجل تحقيق غايته الأسمى. وتوصل "ميلر" أن كل ما يصدر عن الإنسان هو مجرد مُثير خارجي يؤدي إلى استجابة سلوكية، وأن نظام المعالجة لديه ليس سوى نظام تفاعلي ومتعلم يتأثر بالبيئة المحيطة. وهذا ما تعجز عنه آلة الحاسبة، إذ لا يمكنها اكتساب المعرفة من البيئة أو تعلم أشياء وأساليب جديدة، كما أنها لا تستطيع تخزين ذكريات البراءة أو الاحتفاظ برائحة أول كتاب مدرسي. فهي مجرد عالم جامد وافتراض وهمي أُدخل إلى حياة الإنسان ليشوّه تفكيره ويُعيق حرية الإبداع والمغامرة في شتى مجالات الحياة....

ولكن على الرغم من ذلك، وما يحدث ويحدث، سيبقى عقل الإنسان وتفكيره هو الأكثر دقة. فآلة الحاسبة، مهما تم تطويرها، تبقى مجرد أداة مستقبلة للمعلومات، لا تستطيع التحليل والاستنتاج المنطقي، ولا يمكنها أن تعمل بطريقة الحذف والتعديل التلقائي للخبرات السابقة لأنها محكومة بذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى، ومن الممكن في أي وقت أن تصيبها الأعطال، وتنتهي كل ما تم الاحتفاظ به. فهي آلة مهددة بالرحيل.

 


مشاهدات 89
الكاتب فاطمة حمزة
أضيف 2025/11/03 - 1:55 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 12:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 402 الشهر 1921 الكلي 12363424
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير