فلاح الخطاط وبعده الرابع

طه جزاع

في اللحظة التي وقع فيها كتابه، يوم الجمعة الماضية في غاليري مجيد، يكون الفنان الدكتور فلاح حسن علي، المعروف بـ « فلاح الخطاط « قد توَّج مسيرة تمتد لأكثر من أربعة عقود من التجريب في الخط والتصميم والنشر الصحفي والدَّرس الاكاديمي، بعملٍ فلسفي ونظري رصين يليق بتلك الرحلة الطويلة التي شهدت محاولات متعددة ومغامرات جريئة في الشكل واللون والرؤية الفنية المعاصرة. ولذلك فإن كتابه الموسوم « البعد الرابع في التصميم الكرافيكي»، والصادر عن دار ومكتبة أهوار بطباعة راقية وإخراج فني مميز، يُعدُّ من أبرز الكتب التشكيلية النظرية - التطبيقية الصادرة خلال السنوات الأخيرة في العراق والوطن العربي، وهو كتاب يذكرنا بإسهامات كبار النقاد والمؤرخين الفنيين العرب، مثل عفيف بهنسي، وجمال قطب الذي تحولت تصميماته إلى مرجع بصريّ في مدارس الفن الحديث، وشاكر حسن آل سعيد، مؤسس مدرسة البعد الواحد، الذي جمع بين الـتأمل الفلسفي والتحليل البصري، دون أن نغفل محمد سعيد الصكار وتجاربه المثيرة في الخط العربي والتصميم الطباعي.

لقد أنجز فلاح الخطاط مشروع عمره، الذي يتناسب مع عمق تجربته وتنّوعها، ونضج رؤيته التشكيلية، والتي بلغت مرحلة التنظير الجمالي والفلسفي لمفهوم البُعد الرابع فكراً وتطبيقاً وجمالاً. ففي كتابه، المؤلَّف من أربعة فصول رئيسة وفصل خامس للتطبيقات، والذي أثنى عليه الفنان التشكيلي عبد الكريم سعدون، يشرح الخطاط كيف يمكن للتصميم أن يتحول من صورة ساكنة إلى تجربة متغيرة مع الزمن، بفضل البعد الرابع في العمل التصميمي، الذي يُمثل الزمن والإحساس بالحركة والتفاعل، وهو ما يجعل التصميم الكرافيكي يتجاوز اللوحة المُسطّحة إلى عالمٍ من التجربة الزمنية والفكرية، حيث تُعدُّ حركة عين المتلقي تُعدّ جزءاً من عملية إدراك هذا البُعد الرابع.

ولكي لا يتوه القارىء في متاهة المفاهيم النظرية، خصص المؤلف الفصل الأخير لتطبيقات رباعية الابعاد اختارها لعددٍ من المصممين العالمين، مع شرح للعناصر الفلسفية والتشكيلية والتصورات الذهنية لكل منها، إلى جانب تحليل المعطيات الناتجة عن فلسفة التشكّل. وبهذا يكون هذا الفصل، المزود بلوحات ملونة لعشرة مصممين، فصلاً تطبيقياً بامتياز يترجم فلسفة البُعد الرابع في التصميم الكرافيكي إلى ممارسات واقعية وقراءات بصرية ملموسة .

وأروعُ ما في هذا المنجز أن شمس، ابنة فلاح الخطاط، هي من تولت التصميم الداخلي للكتاب، بينما أنجز الغلاف، الذي يجسد ببراعة مفهوم البُعد الرابع، ولده حسام فلاح الخطاط، في تكامل أسري وجمالي يُضفي على العمل بعداً إنسانياً دافئاً يوازي عمقه الفني والفكري .