القمة .. المسؤولية وغزة

جاسم مراد

اجتماع القمة العربية في بغداد ، تعبيراً مؤكداً على تخطي بغداد مسببات الظروف القاسية التي فرضت عليها في السنوات السابقة ، وتوكيداً على دور بغداد المحوري في الصعد العربية والدولية والشرق أوسطية ، ولما تتمتع به من حضور مهم وصداقات متميزة مع جيرانها ، فبغداد هي بغداد حاضنة العرب وقوة دفع المسيرة القومية ، نحو القضايا المصيرية والمركزية لأمة العرب ، وهي قضية فلسطين ، التي تشكل قياس الحضور العربي حاضراً ومستقبلاً .

مواقف همجية

ثمة قضية عاجلة أمام القادة العرب ، وهي غزة تلك المدينة العربية ، المسبية حيث تظافرت كل قوى الشر والبربرية وهمجية المواقف لقتل سكانها البالغ عددهم مليونين ونصف ، بعدما تم قتل ( 51) الف وجرح ( 147) الف معظمهم من الأطفال والنساء ، حيث بلعت حصة الأطفال من سن ( 15يوماً الى سن 16 ) عاماً اكثر من ( 17) الف ودوران القتل مستمر ، والشهداء تحت الإنقاذ تبلغ اعدادهم اكثر من ( 10) الاف شخص عجزت الأجهزة البلدية والطبية من اخراجهم ودفنهم بالطريقة التي تليق بالإنسان ، بفعل استمرار القتال وقلة أدوات البحث وتدمير معظمها عن سابق إصرار.

أيها الزعماء الأعزاء هذه مدينتكم العربية غزة وتلك نسائكم العربيات وهؤلاء اطفالكم اليعربيون ، يتعرضون لا قسى هجوم فاشي عنصري بربري عرفه التاريخ المعاصر ، بحاجة ماسة جداً ، أن تكون النقاشات والحوارات والنتائج حول غزة ، فهي أولوية القضايا ، وهي هاجس شغل شاغل الانسان العربي فليس من المعقول ، ان تبقى دولنا وهي الحاسمة اقتصاديا وجغرافيا وعسكريا في خارطة المنطقة غير حاسمة لوقف الإبادة ضد شعب غزة والقتل وتدمير المدن في الضفة الغربية . الجميع سمع بما قاله سموتيريش وزير المالية الإسرائيلي وهو احد أهم اقطاب نتن ياهو مع العنصري الفاشي بن غفير ، قال ( ليس المهم قتل الاسرى الإسرائيليين لدى حماس وإنما المهم قتل كل ما موجود في غزة واحتلالها وإقامة المستوطنات الصهيونية عليها وضمها نهائيا لدولة إسرائيل ) . اليس هذا وحدة يستدعي الاستنفار النفسي والإنساني والاقتصادي العربي ، ثم اليس قطع المياه والغذاء في غزة ، هو المقدمة لقطع الاعناق العربية ، فإسرائيل لا تتوقف شهيتها التوسعية عند حدود غزة واراضي الضفة الغربية ، بل تتعدى ذلك الى سيناء في جمهورية مصر العربية واراضي الأردن في المملكة الهاشمية الأردنية وصحراء العراق في محافظة الرمادي والكفل في محافظة بابل والعزير في محافظة ميسان ، بل انها تريد ارث العراق التاريخي نبوخذ نصر ، فإسرائيل كيان سياسي شهي التوسع دموي الممارسة مستند على عقلية اجتياحية الغائية ، في هذا العالم الا متوازن ، وهنا لابد من موقف عربي واضح ومحدد يستند الى مقومات الامة وحضورها الإقليمي والعالمي .

نحن لا نطالب باستخدام القوة ، وإنما ندعو لتوظيف الموقف العربي المدعوم بالقدرات الهائلة للامة ، وموقفاً سياسياً يتعدى حدود المناشدات والتوسلات والتهدئة ، فالعدو الإسرائيلي يحتاج للتلويح له جدياً بتفكيك أي علاقة سابقة وراهنة معه اذا ما ستمر في مجازره ضد الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها ، وان الامة العربية بدولها وشعوبها مع تقديم كل الاسناد بكافة اشكاله للشعب الفلسطيني من اجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .

احباط مشاريع

هذه القمة وفي ضوء كل المجريات العالمية وبروز تكتلات متعددة تعطيها هامشاً واضحاً  في لجم واحباط المشاريع الاستعمارية الاستيطانية المتعددة بما فيها مشروع الخزي الأمريكي الذي يطالب بترحيل أبناء غزة عن وطنهم وديارهم وإقامة ملاهي للرقص عليها .

نحن لا نريد من قادة وزعماء العرب امتشاق السيوف لنصرة نساء غزة اللاتي تدوي اصواتهن في كل الارجاء العربية يامعتصماه ، بل نريد منهم إيصال الماء للأطفال العطاشا والغذاء للشعب الجائع ، وانصفوا غزة بما تستحق ، فهي أنجزت المهمة بما تستحق وتخطت دعاوي الضعفاء، وهي تقاتل بلحمها وما ملكت من إمكانيات ، وتوقع اشد الضربات والقتلى بصفوف الجيش الإسرائيلي ، بل غزة يا سادة قهرت الجيش الذي لا يقهر، فاعينوها بالموقف الصلب والدعم ، فغزة يا سادة لا تعرف البكاء عندما تلتحم مع العدو الإسرائيلي رغم الفارق الهائل في الإمكانيات ودعم الغرب لهذا الكيان ، وإنما يسودها الحزن وتسقط الدموع من نساؤها واطفالها عندما يتفرج العرب على حزن اطفالها ..