الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عمق الحكاية والمتخيل السردي في مجموعة طيور المخدع للكاتب عبد علي اليوسفي


عمق الحكاية والمتخيل السردي في مجموعة طيور المخدع للكاتب عبد علي اليوسفي

محمود خيون

 

يعمد عدد من الكتاب خاصة في القصة والرواية إلى إعتماد الرمزية والتشبيه في سرد الأحداث وإخفاء صورة البطل الحقيقى في النص القصصي أو الروائي، فيذهب إلى بلوغ جوانب قصية في فن التجريب والفلسفة في توصيف وبناء الشخصية ورسم معالم غير واضحة عن نهايتها أو مصيرها بما في ذلك ما يتعلق وايدلوجية الحدث وعلاقته بعنصري الزمان والمكان وترسيخ عمق الحكاية ومتخيلها السردي والتنقل بها من فصل إلى فصل آخر في محاولة لبلوغ الهدف المراد عرضه في ذلك النص والتعبير عن دلالاته المرئية أو ما تخفى منها خلف حدود السردية ومتطلبات الرمزية في الكتابة التي يكون للخيال النصيب الأكبر فيها..

اسوق ذلك وأنا أنهي قراءتي لقصص مجموعة الكاتب عبد علي اليوسفي ( طيور المخدع ) والتي تميزت هذه المرة بأسلوب مغاير تماما لما عرف به اليوسفي في فن السرد القصصي ،فهو في هذه المجموعة أعتمد كثيرا على الرمزية والتشبيه والوصف وفلسفة الحدث ودمجه بأسلوب روائي بالخيال الواسع الذي جعل من أبطال قصصه يتمتعون به من خلال سردية الحدث وايدلوجيته التي تتطلب مهارة كبيرة في شد القاريء والدارس إلى متابعة خيوط الأحداث ونسجها على وفق متطلبات الرؤية في التوصيف ودمج الخيال بالواقع وجعل الرمزية هي التي تخفي الكثير من أسماء وعناوين من أراد لهم كل الود والاحترام والتقدير ولقد عملنا الكاتب أن يكونوا هم الابطال الذين يجسدون أدوارهم الواحد تلو الآخر..وهذا ماتبين واتضح في قصة( ليل كهرمانة ) والتي يصف فيها بأن الأصوات التي يسمعها الكاتب لن يسمعها غيره من الناس...ويقصد من ذلك بأن للكاتب رؤية واحاسيس لا تشبه إلى حد ما بقية الناس من حوله، فالكاتب قد يمس بالجنون أو الانفصام أو حتى التخلي عن حدود عقيدته أو سلوكه الإجتماعي ويفضل الموت على الأرصفة مثلما فعل ( همبرت همبرت ) في رواية لوليتا أو( مارك توين ) في معظم ما كتب من فلسفة ( تذكرت فيلة أبرهة الحبشي وجيوشه الجرارة وهي تسير قاصدة تهديم الكعبة  والغبار التي أثارته خيوله وفيلته ورجاله المشاة يملؤون الأفق، قبل أن تأتي طيور الأبابيل وتنقض عليهم بحجار من سجيل ) وهو في هذا المشهد كان يتمنى أن يأتي الله بمثلها في هذا الزمن الغابر لتقوم بالهجوم على كل من يهدد المدينة وسلامتها وهو يتسأل في سره( ألم تكن للمدن الهادئة والمسالمة قدسية مثل الكعبة والمزارات والمناطق الأثرية ومراقد الأنبياء والمساجد ) ..

لقد تمكن الكاتب عبد علي اليوسفي من حبك دور البطل بكل إتقان وقوة وجعل لسرديات الحدث الممزوج بالامنيات والخيال والحقيقة ما يشبه الشريط السينمي الذي ينتقل به المخرج من مشهد لآخر وهو يجسد حالة الضياع والشرود التي يعيشها الإنسان بعد أن يفقد

متطلبات حياته ومستلزمات العيش الكريم فيها بسبب الأحداث المتتالية التي عصفت بالبلاد والعباد...

اعتقد أن  الرمزية في القصة هي فن قائم بحد ذاته وهو تعبير عن الشعور الإنساني بشكل يلفه الغموض والابهام ويشمل ذلك الأحداث أو الشخصيات مما يضيف للعمل القصصي أو الروائي نكهة خاصة في السرد والوصف والتباين الايدلوجي في الكتابة..

ومما تقدم أستطيع القول بأن الكاتب في( طيور المخدع ) وغيرها من قصص المجموعة( صديقي الماسوني ) و( مقهى الملك ) ومدينة الحرب وغيرها قد جسد فيها حالة الإنسان وحجم المتاهات والأحلام التي يحاول جاهدا تحقيقها على الرغم من كثرة العثرات والانتكاسات التي تصادفه...لكنه يظل يقاوم تلك العواصف بقامة شامخة لا تهزها عوادي الزمن وتبقى عصية على مر العصور...

لقد صور لنا الكاتب كل ذلك في مشاهد متلاحقة وأفكار متشعبة وتارة مشتتة يعتريها الذهول والخراب...( صورة الملك وصورة لوحتي وصور العسكريين جنود وقادة وصور الفنانين في هذا المقهى وفي الشوارع والبيوت وصور المقهى والصالونات  جميلة ومتحدية وممتلئة ورجال واقوام في المقهى القديمة..وخاصة في المقهى التي اقصدها خيول هزيلة..وعربات تجرها خيول متهالكة ورجال متعبون وحمالون وصور لجسور مهدمة ومناظر لمزارع جافة ونخيل ومدارس من قصب وطيور لها شكل الصقور، رايت في زاوية ما بومة بعيون كبيرة صفراء تنظر نحوي )...

(طيور المخدع ) مجموعة قصص أراد الكاتب عبد علي اليوسفي أن تكون هي صاحبة الجلالة في دهاليز الحياة المعقدة والمقفرة والمليئة بالاحزان والضياعات والتشرد وموت الأحلام على تخوت المقاهي القديمة.


مشاهدات 108
الكاتب محمود خيون
أضيف 2025/04/26 - 1:32 PM
آخر تحديث 2025/04/28 - 12:40 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 602 الشهر 30473 الكلي 10911120
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير