الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أبناؤنا بين تعليم المقهورين وتعليب القاهرين

بواسطة azzaman

أبناؤنا بين تعليم المقهورين وتعليب القاهرين

منقذ داغر

 

نشر الصديق أسامه أبو شعير عن الوعي المتشضي لشبابنا والذين يمرّون يومياً بكم هائل من البيانات والمعلومات المنشورة عبر الأنترنيت دون أن يتوقفون عندها جلياً ويستفيدون منها ملياً. يمرون على المعارف والمعلومات المنشورة هناك مرّ العَجول ويسبرونها سبر الخجول. وما ذاك الا لأنهم تعودوا استهلاك (المعلبات) المعرفية في المدارس وأدمنوا الوجبات العلمية الجاهزة في الكليات والمعاهد. أذكر أني أُغرمت في مرحلة الدكتوراه بكتاب (تعليم المقهورين) للفيلسوف البرازيلي باولو فريري Paulo Freire  والذي أشار علينا أستاذنا في الدكتوراه(اطال الله عمره) بقراءته في بداية تسعينات القرن الماضي وانصح كل مهتم بالعم والتربية ان يقرأه. يصف الكتاب نظام التعليم في دولنا «النائمة» بالتعليم البنكي حيث يحوّل نظام التعليم عندنا، أدمغة وعقول الطلاب الى أجهزة صرّاف آلي يقوم الأستاذ والمنهج فيها بأيداع ما يمكن من معلومات تلقينية ثم يتم أستدعاؤها أو أستخراجها عند الأمتحان. والمتفوق هو ليس الذي يناقش تلك المعلومات بل هو من يحفظها ويقوم (بتسديد) اكبر قدر منها لمدرسه واستاذه عبر ورقة الإجابات، في عملية قهر معرفي تحاكي فيه المدرسة والجامعة سلوك القاهرين الرافضين للنقاش والحوار والرأي الآخر،في حين يلعب طلابنا دور المقهورين الطائعين فتتبلد عقولهم، وتتجمد خيالاتهم، وتُقمع آراؤهم!

نظام التفاهة

أن نظام التفاهة الذي يؤكد كثيرون اننا نعيشه اليوم هو ليس وليد الصدفة وانما نتاج عوامل كثيرة أهمها تدهور المعرفة. فانتشار قبول ما يُكتب عبر الشبكة العنكبوتية بغثه وسمينه،ومزيفه وثمينه ما هو الا نتاج تعوّد عقولنا على أن تكون مستودعات معلوماتية بدلاً من أن تكون مصانع معرفية. ان المحتوى الهابط الذي نقرأه ونشاهده ونحاربه يومياً لا يمكن القضاء عليه بالقمع والعقوبة بل بالعلم والخصوبة. فالحقيقة أننا نرتبط بمعلومات الأنترنيت كمقهورين لا مشاركين،ومفعولين لا فاعلين،ومتصلين لا متفاعلين!  ان الطاعة المعرفية التي نمارسها على أبنائنا في صغرهم تتحول الى تبلدٍ بل خنوعٍ فكريٍ عند كِبَرِهم. أبناؤنا لا يلبسون الا ما نجبرهم عليه ولا يأكلون الا ما نقرره لهم ولا يتحدثون معنا الا بما نسمح لهم. وحينما يدخلون صفوفهم المدرسية فلا نعلمهم الا الطاعة وعدم النقاش وكُره النقد والرأي الآخر. بأختصار فأننا نعلّبهم ونقولبهم فلا يعودوا صالحين سوى للأكل وعروض التباهي والتفاخر بأنهم «عقّال ومطيعين وما يسوون مشاكل».

في مقابلة أجريتها مع طفل «17 سنة» من ارهابيي داعش في سجنه،اخبرني كيف كان اباه يعامله بقسوة ليكون مطيعاً و»مو وكيح» ،وكيف أنه كان يضربه ليكون خانعاً، فانتهز أول فرصة اتاحها له الدواعش ليشعر بأهميته significance need كي يحمل السلاح معهم ويصبح «رجلاً» يأمر مفرزته الأرهابية فيطيعوه وبهذا يثبت لأبيه مدى أهميته وينتقم مما كان يفعله معه . فمثلما يقلّد العبد سيّده، والمظلوم ظالمه، يقلّد المقهور قاهره والمقموع قامعه. ولغرض تعليب العقول وتغليب الخمول فأننا مستعدون لتزييف التاريخ في مناهجنا ومنع النقاش قي صفوفنا وقتل الفلسفة في مدارسنا. فبدلاً من تعليم أبنائنا مثلاً ان الدين هو طريق لعبادة الله وانه منصة لتعدد الآراء ومكارم الأخلاق،نعلمهم الغلو فيه والتطرف في ممارسته وتكفير من يخالفنا!! وبدلاً من تعليمهم ان هناك دوماً أكثر من طريقة للوصول لنفس الحل او الأجابة،نُصّرعلى تعليمهم طريق واحد وأجابة واحدة!! وفي الوقت الذي هجرت  فيه مدارسنا تعليم أولادنا الفنون والرياضة والأهتمام بتأثيرهما في عقول وخيال وبناء الشخصية السوية، زاد أهتمامنا بتعليب العقول وتفضيل الحفظ والخمول.

ان من يريد تجنب التفاهة ونشر النباهة فعليه توفير البيئة المبدعة.فالتفاهة لا تنتشر الا وسط مجتمعٍ يهتم بالغيب والمجهول أكثر مما يهتم بالعلم والعقول، ويغرم بالفاشنستات وجهلهم أكثر مما يعلم عن المبدعين وعلمهم .بداية الأصلاح تبدأ بالتعليم ولا تنتهي الا به. مخرجات التعليم هي التي تدير السياسة وتعبث في الأقتصاد وتخرب المجتمع وتؤخر التقدم. في عام 1955 جلبت وزارة المعارف العراقية احد أهم خبراء التعليم في العالم لمساعدتها في تطوير المناهج. وعندما كان يجلس في غرفة مدير أحدى المدارس الابتدائية التي زارها في ديالى سمع الطلاب في أحدد الصفوف وهم يُنشِدون ويغنون ففرح كثيراً وقال لمدير المدرسة «واضح انكم تعلمون طلابكم الموسيقى والغناء وهذا شيء رائع». فما كان من مدير المدرسة الا أن يجيبه وهو محرَج «لا أستاذ،ذولي الطلاب يرددون خلف معلمهم دار دور « فنحن نعلمهم كي يكونوا ببغتوات يرددون ولا يبدعون ويحفظون ولا يفقهون!!

 


مشاهدات 39
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/04/25 - 6:21 PM
آخر تحديث 2025/04/26 - 8:41 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1041 الشهر 28508 الكلي 10909155
الوقت الآن
السبت 2025/4/26 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير