الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تاريخ ظاهرة تداخل الحواس السيناستيجيا


تاريخ ظاهرة تداخل الحواس السيناستيجيا

علي العزي

 

تُعدّ السيناستيجيا ظاهرة عصبية فريدة يتمثّل فيها تداخل الحواس، حيث يمكن أن يرى الشخص الألوان عند سماع الموسيقى أو يشعر بالمذاق عند قراءة الكلمات. ورغم أن هذه الظاهرة لطالما أثارت الفضول عبر العصور، إلا أن دراستها العلمية لم تبدأ إلا في العصور الحديثة. 

ترجع أصول تسمية ظاهرة تداخل الحواس، المعروفة بالسيناستيجيا، إلى اللغة اليونانية القديمة⸵ إذ أن المقطع "سين" يعني "معًا" ، بينما يعني المقطع "استيجيا" "إحساسًا" . يمكن تتبّع أولى الإشارات إلى مفهوم تداخل الحواس إلى الفلسفة اليونانية القديمة. فقد اعتقد فيثاغورس (570-495 ق.م) بوجود علاقة بين الأصوات والألوان، حيث كان يؤمن بأن الموسيقى لها تأثير روحي يتجاوز مجرد السمع، بل يمتد ليشمل الإحساس البصري والوجداني. كما ناقش أفلاطون (427-347 ق.م) في كتابه "الجمهورية" فكرة أن الحواس قد تكون مترابطة في مستويات أعمق من الإدراك .

القرن الثامن عشر: بدايات الملاحظات العلمية

بحلول القرن الثامن عشر، بدأ بعض العلماء في أوروبا بتسجيل حالات لأشخاص يختبرون هذه الظاهرة. كان العالم الإنجليزي توماس وُلهاوس (Thomas Woolhouse)

من أوائل الذين طرحوا فكرة أن بعض الأشخاص يمكنهم "رؤية" الأصوات. لكنّ الفهم العلمي للسيناستيجيا ظل غامضًا بسبب قلة الأدوات التي يمكن أن تدرس الدماغ ووظائفه بشكل دقيق.

القرن التاسع عشر: الاعتراف بالسيناستيجيا كظاهرة علمية

في القرن التاسع عشر، بدأ الباحثون في دراسة الظاهرة بشكل أكثر منهجية. عام 1812، قدّم الطبيب الألماني جورج توبياس لودفيج ساكس (Georg Tobias Ludwig Sachs)

أول تقرير طبي مفصل عن حالته كشخص يتمتع بالسيناستيجيا اللونية السمعية، حيث كان يرى الألوان عند سماع الموسيقى. كما كتب الفيلسوف وعالم النفس فرانسيس غالتون (Francis Galton)  في ثمانينيات القرن التاسع عشر تقارير حول أشخاص لديهم القدرة على رؤية الأرقام بألوان مختلفة، وهو ما يُعرف بالسيناستيجيا العددية اللونية (Grapheme-Color Synesthesia).

القرن العشرون: بداية البحث العصبي

مع تقدم علم الأعصاب وعلم النفس، بدأ العلماء بإجراء تجارب مخبرية لدراسة السيناستيجيا. في ثمانينيات القرن العشرين، أجرى عالم النفس الأمريكي ريتشارد سيتويك (Richard Cytowic) تجارب أظهرت أن السيناستيجيا ليست مجرد تخيّل، بل هي تجربة حقيقية تنعكس في الدماغ. ومع ظهور تقنيات تصوير الدماغ في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، تم إثبات أن الأشخاص الذين يتمتعون بالسيناستيجيا يظهرون نشاطًا عصبيًا غير معتاد عند تلقي المحفزات الحسية المختلفة.

القرن الحادي والعشرون: الاعتراف الواسع بالسيناستيجيا

في العقود الأخيرة، أصبح الاهتمام بالسيناستيجيا أكثر انتشارًا في الأوساط العلمية والفنية. أظهرت دراسات أن السيناستيجيا قد تكون ناتجة عن تزامن غير عادي بين مناطق الدماغ المسؤولة عن الحواس المختلفة. كما وجد الباحثون أن الظاهرة قد تكون وراثية، حيث تنتشر بين  العائلات التي يتمتع أفرادها بهذه الظاهرة بشكل أكبر.

بالإضافة إلى الدراسات العلمية، ألهمت السيناستيجيا العديد من الفنانين والموسيقيين، مثل الملحن الروسي ألكسندر سكريابين (Alexander Scriabin) والرسام فاسيلي كاندينسكي (Wassily Kandinsky)، اللذين استخدما تجاربهما الحسية في أعمالهما الفنية.

على مدار القرون، انتقلت السيناستيجيا من كونها فكرة فلسفية غامضة إلى ظاهرة علمية معترف بها، تجمع بين الفنون وعلم الأعصاب في آنٍ واحد. ومع استمرار تقدم التكنولوجيا، من المحتمل أن يتم كتشف المزيد عن هذه الظاهرة الفريدة، وكيف يمكن أن تساعد في فهم الدماغ البشري وإدراكه الحسي المعقد.


مشاهدات 65
الكاتب علي العزي
أضيف 2025/04/20 - 4:25 PM
آخر تحديث 2025/04/21 - 7:35 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 21479 الكلي 10902126
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير