الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصة وطن يعيد تدوير أصنامه.. سقط تمثال الأندلس فأنجبت الخضراء آلافاً

بواسطة azzaman

قصة وطن يعيد تدوير أصنامه.. سقط تمثال الأندلس فأنجبت الخضراء آلافاً

رائد فؤاد العبودي

 

التاسع من نيسان لم يكن مجرد رقم في تقويمٍ اعتاد العراق أن يطوي أيامه على وقع الجراح، بل كان زلزالاً يخطو على قدمين ،  يعبر الأزمنة كأنه شبحٌ قديم ، يعيد تشكيل العراق و يُبدّل جلده كما تبدّل الأفعى جلدها حين تسأم من جلدها القديم .

شقوق طائرات

في ذلك اليوم  ، لم يسقط نظاماً فحسب، بل سقطت معه ذاكرةٌ كاملة كانت تحتمي تحت ركام القسوة، وتفتّحت فجأةً زهرةٌ غريبة تُدعى الديمقراطية، ولكن من بين أسنان الدبابات، لا من تربة الوعي والثورة .

دبابات الابرامز التي كانت تلتهم الارض نحو بغداد ، كما تلتهم النار سجادةً من قش ، فتحت ابواب جهنم خلف لافتة  كتب عليها ((التحرير )) ، فتسللت الحرية خجلاً من شقوق الطائرات، بينما ركبت الفوضى على ظهر النيات الطيبة.

هل حررنا بوش ؟ نعم ،، حررنا من شكلٍ من الديكتاتورية انتهت صلاحيتها ، وحان الوقت لنستقبل وجهاً جديداً منها يرتدي قناع الانتخابات ويحمل مسبحة الطائفية .

في صبيحة التاسع من نيسان ، حين كان المشهد مشوشاً، والخيارات موصدة، هوى تمثالٌ من البرونز وسط تصفيق الحيرة ، وفرحة التوجس ، وفي مساء اليوم نفسه ، ارتفعت في المنطقة الخضراء تماثيل غير مرئية برؤوس طائفية وأجساد محاصصاتية  وأطراف فاسدة تمسك بخيوط العراق مثل دميةٍ ملوثة .

رفعوا فوّق رؤوسنا راية (( العراق الجديد )) لكنهم تركوه عراقاً بلا قلب ، مثل روحٍ معلقة بين لافتةٍ وخراب  ، فالمقاولون الجدد اقتسموا الدولة كما تقّسم الولائم في المجالس العشائرية، بينما دخل  الشعب صندوق الاقتراع كما يدخل النائم كابوسه وهو يعلم أنّ اليقظة قد لا تاتي. ذهبنا الى الانتخابات بخطاً مرتجفة وعيوننا مازالت تبحث عن النور في ارشيف المقابر الجماعية، كأن الانتخابات التي مضينا اليها كانت شعراً بلا وزن وموسيقى بلا انغام.

أصوات متعددة

 وعندما صبغنا سبابتنا بالحبر الازرق ، لم نكن نعرف ماذا نختار ومن نكون ، إخترنا  الطائفة لا الوطن ورفعنا شعارات أكبر من ضمائرنا المجروحة.

سنين من الديمقراطية المشوهة جعلتنا نطيل التفكير بين ديكتاتور الامس بصوته الاوحد الواضح وبين أصوات اليوم المتعددة التي تصرخ ولا أحد يسمعها.

البرلمان أصبح مزاداً تباع فيه الأصوات كالعطور الرديئة  ، وتُشترى فيه المناصب بسندات ممهورة بدماء شهداء سبايكر . بينما  يقف الشعب امام مرآة مكسورة، يرى نصف وجهه محروقاً، والنصف الآخر مدهوناً بلون الرياء .

نحن من انتخب ، ونحن من انتحب ! انتخبنا لاننا صدقنا كذبة الصناديق ، وانتحبنا  بعدما نامت الآمال على فراش الوهم .

الديمقراطية ليست لعنةً بحد ذاتها ،  ولكنها تتحوّل الى فاجعة بثلاثة رؤوس اذا تركت بأيدي تجّار الدم والشعارات . فيا ايها المواطن العراقي الحالم ، لا تسمح لليأس أن يصوّت بدلاً عنك في الانتخابات القادمة، ولا تترك بصمتك إلا حيث تستحق بعيداً عن منطق الطائفة وخلافاً لولاء العشيرة، وفوق فوق كل وهمٍ مقدس !

ايها المواطن العراقي ، الذي اعتاد على الوهن حتى ظن ان الوهن طبعه ، لا تجعل من الانتخابات القادمة طقساً للندم المتكرر ، بل اجعلها صلاةً أخيرة في محراب وطنٍ يستحق النهوض من جديد .  فإما ننتخب الحياة  ، أو نلطم مرة أخرى على جثة وطنٍ لم يُدفن ، لكنه لم يعد يتنفس .


مشاهدات 65
أضيف 2025/04/14 - 4:01 PM
آخر تحديث 2025/04/16 - 3:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 806 الشهر 15841 الكلي 10596488
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير