فاتح عبد السلام
الشعارات السياسية المُلبسة بالغطاء الديني قد تكون عبئاً على بعض البلدان، ومنها ايران التي صعدت بسقفها «الشعاراتي” كثيراً، وبات من الصعوبة عليها ان تنزل درجة او درجتين، وهي تواجه استحقاقات المحادثات المباشرة مع الإدارة الامريكية بشأن عدد أساسي من القضايا التي تمس صلب العقيدة الايرانية في الفكر او السياسة. بالرغم من انّ المطالب الامريكية قد تكون سهلة في المعيار السياسي العادي، اذ لو كانت المطالب الثلاثة امام اية دولة أخرى لوجدت انّ من السهولة تنفيذها والخروج من الازمات بغنيمة المكاسب والعودة للحياة الطبيعية. لكن ايران تجد في المطالب أمورا تعجيزية لأنها تعدها الورقة الأساسية والوحيدة لحماية وجودها ونظام ولاية الفقيه، وربما لم تعد العدة أو تستعد طوال العقود الماضية لبدائل أخرى لحماية النظام السياسي الديني القائم منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي.
لنقف امام المطالب الامريكية:
أولاً: تفكيك البرنامج النووي الإيراني الذي له قابلية تخصيب اليورانيوم بطريقة تصل الى تسعين بالمائة وهي النسبة اللازمة لصنع قنبلة نووية في أي وقت، وانّ الوضع الان عند درجة الستين في المائة وقد يصعد في أي وقت، لذلك يطالب الامريكان بالتفكيك الكامل لقطع الطريق على التخصيب ذي الأهداف الأخرى تحت اية ظروف مستقبلية. في حين انّ من حق ايران أن تمتلك البرنامج النووي السلمي العادي والمراقب دوليا كحال بعض دول المنطقة ومنها دول خليجية أو مصر.
ثانيا: تحديد البرنامج الصاروخي بمديات لا تتجاوز المائتي كيلو متر، وهذا شرط يفرض على الدول التي تخسر الحروب، وترى الولايات المتحدة انّ ايران خسرت الحرب عبر وكلائها وبمشاركتها المباشرة أيضا في لبنان وغزة، ولابد أن يفرض عليها واقع جديد وهو مطلب إسرائيلي ايضاً. ولو كانت اية دولة أخرى لوجدت في هذا الشرط امراً غير مضر كونها لا تفكر في مهاجمة أحد. ولكن هل ينسجم ذلك مع إيران التي قصفت كردستان العراق وشمال سوريا بمبررات خاصة بها من دون ان تكون هناك حرب او تهديدات ضدها؟
المطلب الثالث: هو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى من خلال تبني مليشيات وتنظيمات وتمويلها لتكون الأذرع الضاربة لها والمنفذة لأوامرها في التوقيتات الخاصّة بها. وتستطيع أن تقبل إيران بهذا المطلب كأية دولة طبيعية في المجتمع الدولي لها حدود سيادية خاصة بها ولا تفكر بتجاوزها، ولكن هل يمكن ان ينسجم ذلك مع نظرية “ولاية الفقيه” التي يقوم عليها النظام السياسي. هنا تبدو كلمات السفير الإيراني السابق في العراق توصيفاً واقعياً لرسالة الرئيس ترامب حين قال انّها تهدف لتغيير نظام ولاية الفقيه في اختصار للمطالب كلها.
المعادلة لصالح إيران اليوم اذا غيّرت قواعد اللعبة في التوقيت المناسب، ووضعت الولايات المتحدة أمام طريق واحد هو تنفيذ المكاسب والمنافع العظيمة التي يعد بها ترامب الإيرانيين في حال توقيع الاتفاق الجديد. فالكرة في ملعب أمريكا كما يقول عباس عراقجي وزير خارجية ايران، لكن في حال تحقيق الاتفاق وليس قبله أو من دونه.