الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في رحاب الأربعين.. مناجاة الإمام الحسين عليه السلام

بواسطة azzaman

في رحاب الأربعين.. مناجاة الإمام الحسين عليه السلام

حيدر عبد الرحمن الربيعي

 

في أربعين الامام الحسين عليه السلام، حيث تتقاطع الدموع مع الخطى, وحيث يسير العاشقون على دربٍ شقّه الدم الطاهر، نجتمع لنستحضر ملامح الطف، ونستنطق صمت التراب، ونحمل قلوبنا كما يحمل الزائرون أقدامهم نحو الضريح، كلٌّ يبحث عن قطرةٍ من نهر الفرات، أو قبسةٍ من نورٍ لا يخبو.

هذه المناجاة، ليست كلمات تُقرأ، بل أنفاس عاشقٍ يذوب في الحسين، وصدى روحٍ وجدت حريتها في الفناء عند قدميه.

النص:

آه يا من فُقتَ صبرَ الأنبياء

مناجاةٌ إليك، يا سيّدي أبا عبد الله، يا سيد الشهداء

أستحلفك بطهارة دمك المسفوح غدرًا

أن تلتفت إلى أرض العراق، إلى شعبٍ ما زال يتوكأ على صبرك

أستحلفك يا ابن الهواشم، يا من نزلت في بيوتكم سور الكتاب

يا من تركت فينا إمام الزمان

كيف يرضيك أن نُذلّ، أن نُخْذَل، أن يُحاصَر حقُّنا؟

ضاق عنق الزجاجة حتى خنق أحلامنا

ورسمت الأيام أقدارها على أجسادنا المرهقة

أحمال رسالتك أحنت ظهورنا

وخيولنا أرهقها طول الانتظار

ومنذ كربلاء والأسى منقوش على جبين الدهر

ها نحن بين مُلتَبِس الفكر، ومُنكِر النور

وبين من اتقدت في صدره الغيرة والعطاء

وبين من تمرّ عليه ذكراك طيفًا، لا يوقظه من سباته

كل شيء يا سيدي في هذا الزمان مزيّف

مشاعرنا، أرحامنا، غاياتنا، نوايانا

حتى فسوقنا صار مموّهًا بأقنعة الورع

أرواحنا مبعثرة، وضمائرنا أضناها الوعي

وها هي أربعينيتك تكاد تنقضي

وأنا أبحث عنك في قلوب الملايين

ألمح طائفة الإنسانية الواحدة جليّة في ذكراك

وسهم رسالتك يخترق كل الحجب

فلا دين ولا مذهب ولا طائفة تُعلي أو تُقصي

فالكل على ديدن واحد منادٍ

لبيك يا حسين

أصاب السهم القلب، فاتعظوا يا أنقياء

وذوبوا في بوتقة الرحمة المهداة

فهل من مغفرة بعد هذا المصاب؟

أم من عبرة تحفظ العهد؟

ولماذا نعود إلى التدني بعد أن شربنا من نهر كربلاء؟

أنت الحاضر الناظر على حال أمتك

عقوقٌ، غدرٌ، تشرذمٌ، انحلال، سُحت، والقائمة تطول

آه، كم هي التركة ثقيلة

لكنّي على يقين أن رسالتك كانت الأعلى والأعمّ

توقظ العيون، وتحيي قلوب العارفين

فيا سيدي، نورك ينسكب في روح

يُطفئ انكساري، ويشعل تمردي على واقع مقلوب

واقعٍ يرتدي التدين كزينة

يسوّق القيم في أسواق الخردة

ويعلو على الأنساب بالمكر والتفاخر

ها هم، يا سيدي، يقدّمون القرابين لآلهتهم

ويبنون عمرانهم على جماجم الأطفال

يوسّعون استثماراتهم في بطون الجياع

لكنّنا نعلم أن هناك أشعثَ أغبرَ، مثلي ومثل الفقراء

يتعطرون بعبقك العابق في الأزمنة

إنها الحكاية ذاتها، تتلى بدموع العاشقين

ويطلّ الهادي المبشّر في كل حين مذكّرًا

هذا أنا، يدي بيد جدّي، أطيعوا ولا تعصوا

ادنوا واقتربوا، فأنا المنتقى، وأنا الأذان المرفوع

حيّ على الإنسانية، أنا منارة الخلاص

أنا صهيل الخيول على العتبات

أنا ابن العترة المطهّرة، المسدّد بمسراي

لا دين ولا مذهب ولا طائفة

بل فعلٌ ناطق، ودرسٌ باقٍ إلى قيام الساعة

 

سيدي يا حسين…

قد أتيتُك لا بيدٍ تحمل شيئًا

ولا بلسانٍ يحسن الشكوى

بل بروحٍ تائهة تبحث عن مأواها في ظلّك

وبقلبٍ جُرِّد من كل هوى إلا هواك

جئتُك عاريًا من نفسي، مكسورًا من أثقالي

أحمل عطشي إلى نهر الفرات الذي سقيتَه بدمك

وأضع رأسي على تراب كربلاء

علّه يمسح عن جبيني غبار الغفلة

يا ابن فاطمة، يا قمر العترة

خذني كما يأخذ البحر قطرة المطر

يضيع اسمها في اسمه، وملحها في مائه

خذني كما تأخذ الشمس ظلّها فلا ترده

علّمني كيف يكون الصبر طريقًا إلى اللقاء

وكيف يكون الموت حياةً إذا كان في سبيلك

واجعلني يا مولاي من السائرين إليك

لا يثنيهم ليل، ولا تصدّهم ريح

ولا يغريهم وعد، ولا يخيفهم وعيد

يا سيدي، إن لم أكن قد وُلدت في زمانك

فقد ولدتُ في حُبّك

وإن لم أكن من أنصارك في الطف

فاجعلني من أنصارك في هذا الزمن الملتبس

واجعل خاتمتي على الشهادة لك

كما كانت بداية روحي على الولاء لك

 

لبيك يا حسين… لبيك يا حسين… لبيك يا حسين


مشاهدات 138
الكاتب حيدر عبد الرحمن الربيعي
أضيف 2025/08/11 - 3:00 PM
آخر تحديث 2025/08/12 - 4:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 139 الشهر 8372 الكلي 11403458
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير