الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اصلاح النظام من الأعلى إلى الأسفل هو الطريق لمحاربة الفساد

بواسطة azzaman

اصلاح النظام من الأعلى إلى الأسفل هو الطريق لمحاربة الفساد

رشيد العجيل

 

يقال في الأمثال إنّ تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس. وهذا المبدأ البسيط يصلح ليكون قاعدة ذهبية في محاربة الفساد لأنّ أي إصلاح حقيقي لا يمكن أن ينجح إذا اقتصر على المستويات الدنيا من المجتمع، بينما تبقى القمم محصّنة من المساءلة. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نطرح سؤالاً جوهرياً: بعد 23 عاماً على التغيير في العراق، هل تسير الأمور بالاتجاه السليم؟

للإجابة عن هذا السؤال، من المفيد قبله إجراء مقارنة بسيطة بين تجربة العراق وتجارب دول أخرى بدأت من ظروف صعبة لكنها استطاعت خلال فترة زمنية مشابهة أن تحقق قفزات تنموية واضحة، مثل ماليزيا وسنغافورة وجنوب إفريقيا. هذه الدول لم تكن أغنى من العراق بالموارد الطبيعية بل إن بعضها يفتقر إلى النفط والغاز والموارد اللذين يمتلكهما العراق بكميات تجعله ضمن العشرة الأوائل عالمياً من حيث الثروات الطبيعية المحتملة. ومع ذلك استطاعت أن تبني دولاً مستقرة باقتصاد متنامٍ، ومؤسسات فاعلة، وخدمات أساسية مقبولة لمواطنيها.

وهنا يبرز السؤال المؤلم: إذا كان العراق يملك كل هذه الثروات فلماذا لم تتحول إلى ازدهار حقيقي؟

الجواب لا يكمن في التدخلات الخارجية والمصالح المتضاربة فقط بل في شبكة معقدة من المشكلات، وعلى رأسها الفساد وضعف النظام الرادع. فعندما ننظر إلى بنية الدولة والمجتمع في العراق، نجد أن كل مفصل تقريباً يشرف عليه أشخاص:

القضاء، البرلمان، الحكومة بوزرائها ومؤسساتها، الأجهزة الأمنية والعسكرية، قطاع الاستثمار، التعليم، القطاعان الصحي العام والخاص، وحتى بعض المؤسسات الدينية . المشكلة ليست في وجود البشر، فذلك أمر طبيعي، بل في أن الكثير منهم اخترقتهم آفة الفساد فتحول المنصب من خدمة عامة إلى وسيلة للمنفعة الخاصة، وضاعت الحدود بين الحق والباطل، وبين المال العام والمال الشخصي.

في الدول التي نجحت، مثل سنغافورة، كان القرار واضحاً: لا أحد فوق القانون. الوزير، القاضي، الضابط، ورجل الأعمال جميعهم خاضعون للمساءلة الصارمة. وفي ماليزيا، رغم ما مرت به من أزمات، جرى الاستثمار الجاد في التعليم وبناء الكفاءات، مع ربط التنمية بالمحاسبة. أما دول مثل غانا وجنوب إفريقيا فقد خطت خطوات ثابتة في تعزيز الشفافية والانتقال السلمي للسلطة ما خلق بيئة أفضل للنمو مقارنةً بدول إفريقية أغنى منهم بالموارد.

في المقابل، يعيش العراق اليوم صورتين متناقضتين:

صورة بلد غني يملك موارد هائلة وطاقات بشرية شابة وموقعاً جغرافياً مهماً.

وصورة بلد يعاني من تردي الخدمات وضعف الثقة بين المواطن والدولة وانتشار الفساد الإداري والمالي.

والسبب الرئيسي لهذا التناقض هو غياب نظام صارم وفعّال يمنع الفساد، مهما كان موقع الفاسد أو مكانته في سلم السلطة أو المجتمع.

إن محاربة الفساد لا يمكن أن تنجح بالشعارات أو بالإجراءات الشكلية. هي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وقضاء مستقل شجاع وبرلمان يشرّع ويراقب لا أن يساوم وحكومة تعتبر المنصب تكليفاً لا تشريفاً. كما تحتاج إلى وعي مجتمعي يرفض الفساد الصغير قبل الكبير لأن التساهل مع الخطأ البسيط يفتح الباب للجريمة الأكبر.

ان أهم ادوات هذا الفساد هو السلاح المنفلت الذي ينبغي أن يكون بيد الدولة اتساقاً مع الدستور، بإرادة العراقيين، وليس بإملاءات خارجية ففي حين ينادي الجميع عن رفضهم لاستخدام السلاح خارج الدولة لكنه يستخدم أداة للارتزاق وللضغط على من يتخذ القرار عند إختلاف المصالح.

ختاماً، إذا أردنا للعراق أن يسير في الاتجاه السليم، فعلينا أن نعود إلى القاعدة الأولى: تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلى الأسفل وتحديداً من رأس الهرم في السلطات الثلاث للدولة. عندما يُحاسَب الكبار قبل الصغار، وتُحترم القوانين بلا استثناء، عندها فقط يمكن لثروات العراق أن تتحول من أرقام على الورق إلى حياة كريمة يشعر بها كل مواطن.


مشاهدات 65
الكاتب رشيد العجيل
أضيف 2025/12/25 - 2:30 AM
آخر تحديث 2025/12/25 - 4:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 171 الشهر 18451 الكلي 13002356
الوقت الآن
الخميس 2025/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير