الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قانون الإنتخابات.. مسرحية لا تنتهي

بواسطة azzaman

هاشتاك الناس

قانون الإنتخابات.. مسرحية لا تنتهي

ياس خضير البياتي  

 

في عالم السياسة العراقية، لا شيء يُثير الجدل مثل قانون الانتخابات، هذا القانون الذي يُفترض أن ينظم اللعبة الديمقراطية، لكنه في الحقيقة أشبه بمسرحية هزلية تُعاد فصولها منذ عشرين عامًا دون نهاية. منذ صدور قانون مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018، وما تبعه من تعديلات متكررة حتى عام 2023، يعيش العراقيون بين الأمل والخذلان، يتساءلون: هل هو قانون ناجح؟  الإجابة: نعم، ناجح في صناعة التعقيد... وفاشل في تحقيق العدالة!

يتفاخر البعض بأن القانون أجبر الأحزاب على “الجلوس والتفاهم”، تحت شعار “الكتلة الأكبر”، تلك الكتلة التي تُختار منها الحكومة وكأنها مباراة شدّ الحبل بين أندية سياسية متصارعة. لكنّ هذا التفاهم لم يكن وليد حكمة المشرّع، بل نتيجة اضطرارٍ سياسيٍّ جعل الجميع يجلس على مائدة واحدة يتقاسمون ما تبقى من “الكبسة الديمقراطية” الخالية من اللحم!

أما “نظام سانت ليغو” الذي يفتخرون به، فهو أشبه بآلة تطحن أصوات الناخبين الصغار لتُقدَّم وجبة دسمة للكتل الكبيرة. تخيل أن كتلة تحصل على (120 ألف صوت) فتفوز بمقعد واحد، وتضيع (50 ألف صوت) كأنها لم تكن! إنه نظام يُكافئ الكبار على احتكار الساحة ويُعاقب الشباب والمستقلين على جرأتهم في الحلم. ومن عجائب القانون أن المرشح يُسمح له بالبقاء في منصبه الحكومي أثناء الترشح، ليستخدم نفوذه وماله كما يشاء، ثم يُطلب منه الاستقالة بعد الفوز! أليس الأجدر أن تكون الاستقالة شرطًا قبل الترشح؟ لكن يبدو أن المشرّع أرادها “فرصة أخيرة” لتسويق الذات واستثمار الكرسي قبل مغادرته!

ثم جاء إلغاء الدوائر المتعددة ليقضي على آخر خيط بين المرشح والناخب. في السابق، كان المرشح يعرف جمهوره، وكان الناخب يختار من يعيش بينه، لا من يراه على شاشة حزبٍ ما. أما اليوم، فقد عادت لانتخابات إلى نظام القوائم المعلّبة التي تفصل بين الناس وممثليهم كما تفصل الجدران بين الضوء والظل.

ورغم كل “التعديلات”، لم يمسّ القانون جوهر الفساد، ولا ظاهرة المال السياسي، ولا التسقيط الانتخابي. كأن المشرّع اكتفى بدور المتفرّج في مسرحية القط والفأر بين المرشحين والفساد! فلا ضوابط تمنع شراء الذمم، ولا عقوبات تردع استخدام المؤسسات الحكومية في الترويج الانتخابي. من أسباب عزوف الناس عن الانتخابات، جهلهم بأهميتها وبوظيفة النائب نفسه. ومع ذلك، لم يكلّف القانون نفسه بإلزام المفوضية أو الإعلام بحملات توعية وطنية. كيف يُبنى وعي انتخابي في بلدٍ تُرك فيه المواطن ليستقي معلوماته من “إشاعات واتساب” وبرامج التهريج السياسي؟!

القانون العراقي نسخة طبق الأصل من السياسة العراقية نفسها: معقّد، متناقض، غير عادل، لكنه صادق في شيء واحد — يعكس عيوب صانعيه ومنفذيه. العراق اليوم بحاجة إلى قانون يُنصف الشباب والمستقلين، يحترم أصوات الناس، ويمنع المال من شراء الضمير. قانون يُعيد للناخب كرامته، لا قانونًا يُجمّل الفشل ويُعيد تدويره كل أربع سنوات. و

بينما يواصل الساسة “تعديل” القوانين و”ترميم” النصوص، يبقى الشعب يتفرج من بعيد، يتساءل بسخرية: هل سنشهد يومًا انتخابات تُعيد الأمل، أم سنظل عالقين في مسرحية بلا نهاية... أبطالها يتبدّلون، والنص واحد؟

وفي النهاية، ما دام القانون يتغيّر كل أربع سنوات دون أن يتغيّر حال الناس، فالأفضل أن نُعلّقه في المتحف مع باقي التحف الدستورية!  اقعد، اشرب استكان شاي، وتفرّج على المسرحية — فالجمهور واحد، والممثلون نفس الوجوه، فقط تتبدّل الأقنعة… وتبقى الديمقراطية عندنا “قانون بلا عدالة، وانتخابات بلا فوز”.

 

yaaas@hotmail.com


مشاهدات 40
الكاتب ياس خضير البياتي  
أضيف 2025/11/03 - 12:31 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 10:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 424 الشهر 1943 الكلي 12363446
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير