الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تعليق على حكم قضائي .. مدى جواز استيقاف وتفتيش سائق المركبة أو الدراجة النارية من قبل رجل المرور

بواسطة azzaman

تعليق على حكم قضائي .. مدى جواز استيقاف وتفتيش سائق المركبة أو الدراجة النارية من قبل رجل المرور

عماد يوسف خورشيد

 

لا مراء أن مبدأ المشروعية الإجرائية الجنائية في الدولة القانونية أساس بناء ثقة المواطن بسلطات الدولة بشكل عام، وركن أساسي في إظهار وتطبيق مبدأ العدالة أمام المحاكم بشكل خاص، ولذلك أولى فقهاء القانون الجنائي الاهتمام البالغ في إظهار جوهرها. فقد عرفها فقهاء القانون بتعريفات عدة، نذكر أبرزها، وهي: "التوافق مع القواعد القانونية المستقرة في المجتمع، والمعترف بها من قبل أفراده، أياً كان مصدرها". (د. أحمد ضياء الدين محمد خليل، مشروعية الدليل في المواد الجنائية - دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، 1982، ص 584).

فالمشروعية الإجرائية الجنائية في إطارها العام تشمل: أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية من قبل رجال إنفاذ القانون وفق الأصول القانونية، والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، وضمان حقوق الدفاع في جميع مراحل الدعوى، وقيم العدالة وأخلاقياتها التي تتزامن مع كل إجراء، ومقتضيات المحافظة على كرامة الإنسان التي يفترض أن تكون نبراساً أمام السلطات عند اتخاذ أي إجراء قبل أو بعد وقوع الجريمة بحق أيًّا ما كان. ولكي يتم توضيح ما تقدم، نستشهد بحكم قضائي صادر من محكمة النقض المصرية يُجسد كل ما تقدم، وتظهر روح مبدأ المشروعية الإجرائية الجنائية، والتي نرتئي توضيحها بشكل موجز غير مخل بالمعنى على النحو الآتي:

 

مضمون الحكم:

أصدرت محكمة النقض المصرية حكمًا (النقض 19/1/2017، رقم ٤٣٤٢٢ لسنة ٨٥ قضائية) تلخّص في: قيام ضابط المرور، بإيقاف دراجة نارية في إحدى مناطق القاهرة الكبرى، لفحص تراخيصها، فأفاده المتهم أنه لا يحمل تراخيص للدراجة، فقام الضابط بتفتيشه وقائيًا – فعثر بين ملابسه على مواد يُمنع تداولها بين الناس – وكان الشاهد الوحيد في الدعوى هو الضابط، وبناء على ذلك، قضت محكمة الموضوع بإدانة المتهم استنادًا للمادة (74/مكررًا/2) من قانون المرور المصري رقم 66 لسنة 1973 المعدل النافذ، والتي تضمنت معاقبة من قاد مركبة دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، والمواد (34-35-46) من قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 المعدل النافذ؛ لكن لمحكمة النقض كان لها رأي آخر مغاير تمامًا لما تقدم، والتي ميّزت بين عمل ضابط المرور إداريًا وفق قانون المرور، وبين عمله وفق قانون الإجراءات الجنائية؛ وذلك لأن محكمة الموضوع دمجت اختصاص القانونين مع بعضهما، وارتأينا ذكر التمييز بين القانونين الذي قضت به محكمة النقض على النحو الآتي:

 

فالحالة الأولى (عند تطبيق قانون المرور):

فإنه لا يجوز الاطلاع على تراخيص المركبات من خلال إعداد كمين يستوقف جميع المركبات دون أن يضع قائدها نفسه في موضع الشبهات بسلوك يصدر عنه؛ لأن استيقاف جميع المركبات إهدار لقرينة البراءة التي كفلها الدستور، في الانتقال بحرية، والقول بغير ذلك يجعل النص معيبًا بالمخالفة للدستور، وهو ما يتنزّه عنه الشارع.

 

أما الحالة الثانية (عند تطبيق قانون الإجراءات الجنائية):

ففي حال وقوع جريمة معينة بالفعل ويُجرى البحث والتحري عن فاعلها وجمع أدلتها، فيكون له بمقتضى دوره كأحد رجال الضبطية القضائية أن يباشر هذه الصلاحيات مقيدًا في ذلك بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

 

وقد استندت المحكمة في الحكم إلى أن الضابط كان في سبيل أداء دوره الإداري يتفقد الحالة الأمنية، دون أن يصدر عن المتهم ما يثير الريبة والشكوك في وقوع جريمة ما، ودون أن يثبت أيضًا أن الدراجة كانت بدون لوحات معدنية، فإن الاستيقاف على هذا النحو يتسم بعدم المشروعية ومشوب بالبطلان، وباطل أيضًا ما ترتب عليه من تفتيش، وبما أن الدليل المستمد منه شهادة الضابط فقط، فإنه لا يُعوّل عليه، وبناءً على ذلك حكمت محكمة النقض ببراءة المتهم، ومصادرة المادة الممنوع تداولها.

والتوجّه أعلاه بات مستقرًا في قضاء محكمة النقض، ونذكر من هذه الدرر النفيسة:"... أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية، بوصفها من الحقوق الطبيعية المقدسة للإنسان من حيث كونه كذلك، يستوي أن يكون القيد قبضًا أم تفتيشًا أم حبسًا أم منعًا من التنقل أم كان غير ذلك من القيود الشخصية، لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس كما هي معرفة به قانونًا، أو بإذن من جهة قضائية مختصة، وكان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى، صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل على أحكامه، فإذا تعارضت هذه مع تلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، يستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقًا أم لاحقًا على العمل بالدستور..."(نقض 24/1/2011، مجموعة أحكام النقض، المكتب الفني، الطعن رقم ٤٥٣٥٣ لسنة ٧٣ ق، قاعدة 9، ص55).

 

التعليق على الحكم:

من خلال الملاحظة الدقيقة للحكم كاملًا، يتبيّن أن محكمة النقض المصرية قد بنت حكمها على عدة قوانين، مع استحضار الدستور تحديدًا المادة 54 منه - المتضمنة حماية حق الشخص في الحرية، ولا يجوز القبض عليه إلا بأمر قضائي - في إصدار أحكامها، واستخدام العقل والمنطق والتأويل الصحيح في الاستنباط، عندما ميّزت بين دور الضابط إداريًا وبين كونه عضو ضبط قضائي، وهنا نراها موازنة دقيقة بين حقوق الفرد وحق المجتمع في مكافحة الجريمة بناءً على إجراءات مشروعة، وعدم تداخل في الاختصاصات التي قد تؤدي إلى انتهاك حق الفرد في الخصوصية، بما يضمن تحقيق العدالة. وهذا يقود إلى استظهار مبادئ قانونية جديدة متوافقة مع احترام آدمية وكرامة الإنسان بشكل عام، والتي تكون مصدرًا مهمًا من مصادر المشروعية الإجرائية. فالتفتيش بدون إذن أو بدون سند قانوني يعد باطلًا، وكانت هناك بدائل قانونية أخرى لدى رجل المرور اتخاذها إذا شكّ بارتكاب سائق الدراجة أفعالًا مخالفة للقانون.

وبالانتقال إلى الواقع، لاحظنا كثيرًا من الحالات والدهس التي تم توثيقها بالفيديو ومثبتة في مواقع التواصل الاجتماعي – اليوتيوب – منها: شرطي مرور يتهجم على سائق في ساحة الواثق/ العاصمة بغداد في شهر تموز 2025، وسائق سيارة يدهس شرطي مرور، بعد أن أراد الأخير محاسبته لأنه يعمل تكسي بسيارة خصوصي وقد وضع إشارة تكسي. وحالات اخرى تحدث دون توثيق... إلخ. ومعلوم أن رجل المرور ملزم وفق القانون في بعض الحالات بحجز المركبة، ومثال ذلك عند تطبيق المادة 28 من قانون المرور العراقي أعلاه، وبعض المواطنين يمتنعون من الامتثال لذلك، رغم إلزام القانون المواطن باحترام رجل المرور وتنفيذ أوامره التي تصدر وفق القانون. وفي حال إهانته أو تهديده أو الاعتداء عليه يعاقب المعتدي وفق المادة 38 من قانون المرور أعلاه.

ولحماية رجل المرور، وتثقيف المواطن، وتجنّب الصدام مع المواطنين؛ يجب عمل دورات وندوات وورش قانونية تثقيفية مستمرة لرجال المرور - وخاصة المتعينين حديثا-والمواطنين، وإضافة إلى ذلك يُستحسن أن يُقنّن ويُرسم الطريق والصلاحيات لعملهم في أحكام القضاء على مرور الزمن حفاظًا للحقوق والحريات.

 

وحاصل الكلام:

تأسيسًا على ما تقدم، فإن اختصاصات رجال المرور محددة وفق قانون المرور، فلا يحق لهم تجاوز صلاحياتهم إلى صلاحيات رجال إنفاذ القانون قبل وبعد وقوع الجريمة من تفتيش وتحري... والتي حددها قانون الإجراءات الجنائية، أو ما يسمى لدينا في العراق قانون أصول المحاكمات الجزائية، ومعلوم أن حقوق وحريات الناس مكفولة ومصانة في الدستور والقانون، وفي مقابل ذلك، فإن مكافحة الجريمة وحفظ أمن المواطنين مكفول أيضًا. لذا، ضرورة وضع نُصب العين إجراء الموازنة بين حفظ الحقوق والحريات من جهة، وحفظ الأمن من جهة أخرى بما يضمن استقرار المجتمع، ولا يكون ذلك إلا من خلال تطبيق مبدأ المشروعية الإجرائية الجنائية، والتي تظهر كل ذلك في أحكام القضاء. والثابت أن الأحكام القضائية المستقرة، وآراء فقهاء القانون في الدول التي تتقارب قوانينها وقيمها مع قوانين العراق يمكن الاستئناس بها أمام المحاكم كمعيار عملي والاستفادة من تجربة الإنسان في المجتمعات الأخرى، وخاصة إذا كانت تعطي نموذجًا في تطبيق مبادئ عامة في القانون.

 

 

أستاذ القانون الجنائي المساعد

الجامعة التقنية الشمالية

المعهد التقني كركوك

6/8/2025


مشاهدات 147
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/08/16 - 3:02 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 10:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 316 الشهر 11929 الكلي 11407015
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير