القراءة نوع من الأدمان المفيد
ثلاث وسائل للهروب من فوضى بغداد
بغداد - نوزاد حسن
حين اشاهد الفوضى تعم مدينة مثل بغداد لا اصدق ما ارى.اذ ليس من المعقول ان نشاهد هذا الحجم من الاهمال والصخب وعدم التنظيم ينتشر في مدينة ترجمت الفلسفة والعلوم الى اللغة العربية ايام الحضارة العباسية.
لن يصدق احد ما يجري من حولنا.شوارع تعمها الفوضى وعدم انضباط السير.وارصفة تسرق من المواطن بسبب الباعة المتجولين.واصوات تمزق اذن الانسان تعلن عن اسعار بضائع صينية هزيلة.
عالم زائف بلا قيمة يواجه الانسان ضياعه فيه.واذا مشيت في هذا الشارع او ذاك ابحث عن حديقة منظمة اجلس فيها لحظات فلا اجد.فكل الفراغات المخصصة للترفيه اصبحت مشغولة بعشوائيات تشبه بيوت الهنود في دلهي.
مناطق خضراء
هناك اماكن لباعة الشاي على الارصفة,اما تخطيط المدينة بشكل حضاري تراعى فيه المناطق الخضراء فهذا احد مستحيلات حياتنا الصعبة التحقيق..
لذا اهرب الى يوتيوبات تتحدث عن مدن العالم المختلفة.اشغل اليوتيوب فاتخيل اني في البندقية.اعبر مع العابرين الجسر,ثم اقف لالقي نظرة على زورق يتمايل في النهر.اتخيل همس احاديث هذا الخليط من البشر الذين اراهم في اليوتيوب وهم مختلفو الملامح والملابس.
انتقل ليوتيوب اخر عن شوارع باريس,والمانيا,وهولندا.هذه هي احدى تسلياتي التي تشعرني بالحزن لان بغداد كان يمكن ان تكون افضل مما هي عليه الان.بغداد مريضة وممزقة ومنسية ايضا.
تسلية اخرى ابحث عنها في كل من اتحدث اليهم.ذلك انني ابحث عن اشخاص حقيقيين من لحم ودم يحاولون ان يقدموا شيئا على المستوى الانساني من خلال عملهم.
لقد يئست تماما من احاديث السياسة الرديئة.ويخطيء من يظن ان الحديث الرديء يختلف عن حبة الكبتاغون او الغيبة او الثرثرة.كل هذه الاشياء متشابهة.انها تقتل ذوقنا.والفضائيات تنقل لنا هذا المستوى المخرب بسهولة كبيرة.وبعد ذلك يقوم عشرات الاصدقاء بنقل هذه التفاهة السياسية من خلال مشاركتها مع المئات على مواقع التواصل الاجتماعي.مثل هذا السلوك يقلقني جدا لانه نوع من ابتذال علينا التخلص منه.وكما اهرب من فوضى الشوارع اهرب ايضا من احاديث السياسة التي تشبه حالات السكر الشديد بحيث لا يعرف الانسان ماذا يقول.لذا ابحث عن حل وتسلية مفيدة فاجدها في احاديثي مع الناس.وهنا اقوم بغربلة اي حديث اسمعه كما لو كنت ابحث عن ذرات الذهب الناعمة.مهمتي هي هذه:الحصول على الخبرة التي تعكس حياة حقيقية صنعها المتحدث لنفسه.أواكثر ما يلفت انتباهي هو حديث المعلمين والمدرسين الذين تجمعني بهم لقاءات بين حين واخر.ففي اية مدرسة يمكننا اكتشاف استاذ يتحدث عن تجاربه بصدق حقيقي,وبلا اي ابتذال.احد هؤلاء المربين هو تربوي يعشق مهنته ويحاول ان يقوم بدوره على اكمل وجه.احدثه فاستمع لخلاصة تجربته في عالم التدريس.
مدارس حكومية
وتدريس اليوم هو ليس كتدريس اعوام ما قبل 2003.هناك فرق كبير بين مدرسة الامس ومدرسة اليوم.
ولاني درست في مدارس حكومية قبل عام 2003 فان حديث هذا التربوي الفاضل علي محسن عيدي مدير ثانوية الكفاءات يجعلني احس بصعوبة التعليم في هذه الايام.
حديثي مع هذا المربي الفاضل يعيد اليّ الثقة بان هناك مقاتلين في مجال التعليم يحاربون في معركة لا نعرف كثيرا عنها نحن من نعمل خارج جدران المدارس.لذا فانا احيي كادر ثانوية الكفاءات للبنين كلهم.انهم فريق اجد فيه الاخلاص والتفاني.
ومن الاشياء التي تفرحني ان هناك اشخاصا اخرين وفي مهن اخرى يحاربون من اجل تغيير ذائقة الانسان الى مستوى اخر اكثر رحابة وجمالا.
بقيت لدي وسيلة اخرى اهرب اليها من فوضى مدينة بغداد التي تقل فيها المعالم العمرانية التي تجمع بين الحاجة الاجتماعية,والحس المدني في وقت واحد,واقصد بهذه المعالم,الجامعات الضخمة التي تمنح زمالات دراسية للطلبة مجانا,والمسارح والسينمات,ومشاريع ترجمة الكتب,وغير ذلك مما نحلم ان نراه على ارض الواقع.
هذه الوسيلة الثالثة التي اهرب اليها هي القراءة.والكتاب نوع من ادمان غير ضار.الكتاب اخطر معلم في حياة البشر..