هيا نتحرر من أسر الشاشات إلى نور المعرفة: كيف نعيد تشكيل العقل القارئ للشباب ؟
عبدالكريم الحلو
مقدمة:
* لم تعد أيدي الشباب تمسك كتابًا، بل صارت تلتصق بالشاشات، وتغرق في تيه اللمعان الرقمي، حيث كل شيء سريع، عابر، بلا جذور.
* إننا نعيش اليوم في زمن “الإشباع اللحظي”؛ زمن يسلب التفكير العميق ويغذي الانفعالات العابرة.
* ومع ذلك، لم تنطفئ شعلة الأمل. فالقارئ الحقيقي، حتى وإن غاب، يمكن استعادته، ويمكن إنقاذ العقول من رقّ السطحية إلى حرية الفكر، ولو عبر شاشة إلكترونية، ما دامت تُحسن الاستخدام.
أولًا: كيف نشأت الفجوة بين الأيدي والكتب؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
* عندما دخلت الهواتف الذكية إلى جيوب الجميع، لم تكن مجرد أدوات تواصل، بل أصبحت وسيلة للترفيه المفرط، وتدريجيًا بدأت تسحب الإنسان من مساحة التأمل إلى دوّامة التشتّت.
* وتحوّل “النقر” إلى بديل عن “التفكير”، و”التمرير السريع” إلى خصم عنيد للصفحات التي تحتاج إلى تركيز وهدوء.
* إنها فجوة معرفية ونفسية، لم تنشأ بين عشية وضحاها، بل تراكمت مع أنظمة تعليمية تعتمد الحفظ لا الفهم، وبيئات اجتماعية لا تزرع في الطفل حبّ السؤال ولا مهارة النقد.
ثانيًا: كيف نحرر العقول من أسر الشاشات؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
1. ردّ الاعتبار إلى القراءة كقيمة اجتماعية:
* لا يكفي أن نقول لأبنائنا “اقرؤوا”،
* بل يجب أن يرونا نقرأ، ونتحدث عن قراءاتنا، ونحوّل القراءة من “واجب تربوي” إلى “احتفال عائلي”، ومن “خلوة فردية” إلى “سلوك جماعي”. القراءة لا تُفرض، بل تُلهم، ولا تنمو في بيئة تعتبر الكتاب عبئًا.
2. توظيف التكنولوجيا لا محاربتها:
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
* الكتاب الإلكتروني ليس خصمًا للورقي، بل هو امتداد له، إن أحسن استعماله. يمكن إطلاق تطبيقات قرائية جذابة، مسابقات تفاعلية قائمة على النصوص، روايات على شكل حلقات مصوّرة، منصات
* تشجّع التلخيص والإبداع عبر القراءة. فكما نجحت التطبيقات في استعباد الوقت، يمكنها أن تزرع شتلةً معرفية إن أعدنا برمجتها تربويًا.
3. تحويل القراءة إلى فعل مقاومة:
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
* في عالم تحكمه الإعلانات والاتجاهات والضجيج، يصبح القارئ مقاوِمًا حقيقيًا.
* يجب أن نغرس في نفوس الشباب أن القراءة ليست ترفًا، بل سلاح بيد من يريد أن لا يُخدع، ولا يُقاد.
* إن عقلًا يقرأ هو عقل لا يُشترى، ولا يُستَغل.
* وهنا يتحول الكتاب إلى درع، لا مجرد مصدر للمعلومة.
ثالثًا: القارئ.. قائد الغد بالفعل لا بالقول
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
* القائد لا يصنعه الهتاف، ولا تولده المصادفة.
* القائد يُصنع حين يتسلّح بالفكر، ويتمرس على النقد، ويتمرّن على إعادة النظر في كل ما يُطرح عليه.
* القراءة العميقة وحدها تربي الحِس القيادي، لأنها تكشف التناقضات، وتوسع الأفق، وتدرب على اتخاذ القرار بناءً على التحليل، لا على الانفعال أو المحاكاة العمياء.
* لقد علمنا التاريخ أن أعظم الثورات لم تبدأ بالسلاح بل بالفكرة.
* وكم من كتاب غيّر أمة، وكم من قارئ كتب مستقبل وطن.
* لقد قرأ غاندي فاهتدى إلى سلمية التغيير،
* وقرأ لينين فتفجّرت الثورة البلشفية،
* وقرأ طه حسين فأنقذ ملايين من الظلمة،
* وقرأ نيلسون مانديلا من زنزانته فحرّر جنوب أفريقيا.
خاتمة:
* في زمن الخفة والتمثيل والتكرار، نحن بأمس الحاجة إلى القارئ الذي يلتقط المعنى، يتأنّى، يتأمل، ثم يُفكر.
* قارئ اليوم هو قائد الغد،
* لا بالشعارات بل بالقدرة على استيعاب تعقيدات الواقع، وتفكيك معضلاته، وصياغة بدائل جديدة تنبع من الفهم العميق.
* لنتجاوز أسْر الشاشة لا بكسرها، بل بإعادة توجيهها.
* لنجعل الكتاب رفيق اللحظة الرقمية،
* لا ضحيتها. ولنربِّ شباب لا يكتفون بالمتابعة، بل يسألون، ويشكّون، ويبدعون.
* القراءة ليست حنينًا إلى الماضي،
* بل هي مفتاح المستقبل.
الدكتور عبدالكريم الحلو