الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قفص إنعدام الثقة

بواسطة azzaman

كلام أبيض

قفص إنعدام الثقة

جليل وادي

 

لا أظن أحدا يختلف معي بمعاناتنا من أزمة ثقة متفاقمة الى درجة يُحار المرء فيها بالإجابة عن السؤال: كيف نعيد بناء الثقة؟، فقد طالت أزمة الثقة مختلف شؤون الحياة حتى بلغ القلق بالناس مبلغا، فتراهم يتلفتون باحثين عما ينجيهم من الوقوع ضحايا لهذه الجهة او تلك، مشغّلين كل حواسهم، ومتحوطين بكل ما يستطيعونه، فالثقة الزائدة في غير محلها قد تعود بهم الى ما دون المربع الأول بحسب تعبير أبطال عمليتنا السياسية التي من سماتها انعدام الثقة بين جميع أطرافها، فتحولت الديمقراطية التي أردناها طريقا للارتقاء الى مجرد اكسسوارات لتجميل الفشل واعادة تدوير ذات الوجوه او تبديل بعضها مع الحفاظ على النظام الذي لم نجن منه سوى الفساد وتنمية كسلحفاة بمسيرها في عالم يتقافز كالنمور، ولو سألتوني عن أبرز أسبابها لقلت: انعدام الثقة، بدليل شعار (اعادة الثقة بالحكومة) الذي رفعه مشكورا رئيس الوزراء السوداني الذي تمكن من الحصول على اعتراف معلن من غالبية الناس بأنه حقق انجازات مرئية تفوق سابقيه، وما تحقق قد يسهم بحلحلة أزمة الثقة، لكنه حتما لن يُعيدها قبل شعور الناس بوطنية القائد، ومع ذلك هناك من يضع الأحجار في طريق اعادة الثقة الطويل، اولئك السائرون نحو الكعكة وليس انقاذ الوطن

دعكم من السياسة فقد مللنا حديثها، ولأتحدث عن مستوى ثقة الناس بمصارفنا، وللأسف أقول ان الثقة تكاد تكون معدومة ، فنسبة كبيرة من الناس تحتفظ بأموالها في بيوتها وتمتنع عن ايداعها بالمصارف، فهي تتحسب لجميع الاحتمالات، فحياتنا واقفة على (قرن ثور) كما يقولون، وتغيراتها لحظوية، وهم يحرصون على مدخراتهم لأيام سود يُحتمل وقوعها وتجربة لبنان نموذجا، وللأمانة ان انعدام الثقة ليس وليد اليوم، بل هو حصيلة عقود ماضية وان تفاوتت نسبها لصالح الأمس، ومن مفارقات الأمس التي مازالت عالقة بذاكرتي ان أحد الأشخاص البسطاء أودع مبلغا بمصرف حكومي مقداره (25) الف دينار في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت في حينها تشترى أحدث سيارة او بناء بيت فاره، ومضى على المبلغ سنوات على أمل زيادته بالفوائد ، وعندما ضنكه الحصار في التسعينيات سحب المبلغ، لكن قيمته مع الفوائد لا تشتري له سوى كيس طحين وعشرة كيلوات من السكر، لا أدري كيف تعامل المصرف مع هذه الحالة؟.

أليس غريبا أن تفقد وزارة التربية ثقتها بملاكاتها؟، بحيث ان التحسب من تسرب الأسئلة وما يتعلق بها من أمور استدعى حرمان ملايين المواطنين من خدمة الأنترنيت، أرى ان على الوزارة مكافحة خلايا الفساد فيها وليس قطع هذه الخدمة التي صارت كالهواء، والسؤال: هل لنا من شبيه بهذا الشأن في العالم؟.

ان إبعاد الأساتذة أولياء أمور الطلبة من المراقبة في القاعات الامتحانية التي يؤدي فيها أولادهم او أقربائهم الامتحانات يكشف عن عدم الثقة بهم، وهو أمر لا يليق بالاستاذ لا سيما الجامعي، واذا كان بعض الأساتذة يرتكبون جريمة مساعدة أبنائهم او التغاضي عن حالات الغش التي يقومون بها، فذلك تأكيد بان مؤسساتنا التعليمية لم تؤهل هؤلاء الأساتذة تأهيلا مناسبا لدور المعلم الذي يترفع عن الصغائر، ويقترب من أن يكون رسولا كما قال الشاعر أحمد شوقي، يوم كان المعلمون يحاسبون أولادهم أشد من محاسبة الطلبة الآخرين، لأنهم يؤمنون برسالتهم التربوية، وهم محل ثقة عالية من مؤسساتهم.

ثقتي مهزوزة بالكثير من أصحاب المهن والمحال التجارية والصيدليات والأطباء وغيرهم، وان اسلوب (التقفيص) على الزبائن ديدنهم،  وهذا مصطلح شعبي من نتاج مرحلة ما بعد الاحتلال، وهو مشتق من كلمة قفص، ومبتكره من هواة تربية الطيور كما يبدو، فيوضع الطير في القفص فلا مخرج له الا من خلال صاحبه، وهكذا وضعنا رجال السياسة في قفص انعدام الثقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بانتظار المُصلح الذي يُخرجنا الى فضاء العدالة والحرية والاستمتاع بوطننا.

 

jwhj1963@yahoo.com

 


مشاهدات 50
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/07/12 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/07/13 - 12:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 59 الشهر 7608 الكلي 11161220
الوقت الآن
الأحد 2025/7/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير