الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الساعدي بين الشعر والعمل بروح عاشق بغداد

بواسطة azzaman

فم مفتوح .. فم مغلق

الساعدي بين الشعر والعمل بروح عاشق بغداد

زيد الحلي

 

مصاحبته تمنحك دفء المحبة، وحديثه يشبه الحروف التي تمثل أوعية للمشاعر النبيلة. كان سعيدًا وهو يشارك في جمعٍ ضمّني مع زملاء أعزاء، حضرنا فعالية يوم الخميس المنصرم في فضاء المتنبي، الذي أصبح رقعةً تمثل رقي حضارة بغداد. الفعالية كانت تتضمن عرض فيلم ومعرضًا فوتوغرافيًا جميلًا عن الراحل المخرج محمد شكري جميل.

حاليًا، أشعر بالحيرة، وربما الخجل، فقد قال الرجل مازحًا لأحد الزملاء أثناء الإشادة بما قدّم، إن المديح في الإعلام، في بعض جوانبه، يشكل حرجًا، واعترف أن في ذلك الكلام نكران ذات عميق المعنى. فكيف بي وأنا بصدد كتابة انطباع شخصي بحقه؟

عزمتُ، وتوكلتُ، وأترك لمن يريد أن يمسك مقود المشاعر أن يوجهه حيثما يشاء، فأقول: في زمن تتعدد فيه الألقاب وتضيع معه الملامح الأصيلة، من النادر أن تجد مسؤولًا لا يزال يحمل في قلبه بريق الموهبة الأولى، ويحافظ على وهج الشغف كما لو أنه في بداياته. هذا ما وجدته في شخصية صديقي الدكتور «عارف الساعدي»، الذي عرفته منذ زمن، إعلاميًا حاذقًا، وشاعرًا مجيدًا، لم يغادر عشقه للإعلام أو الشعر رغم تصاعد مهامه وتقلده مناصب رفيعة.

هو اليوم مستشار ثقافي للسيد رئيس الوزراء، ومدير عام لدائرة الشؤون الثقافية العامة، وهي مسؤوليات قد تفرض على صاحبها طابعًا إداريًا جافًا، أو تضع بينه وبين جذوره الإبداعية حجابًا من الانشغال الرسمي. لكنه، بكل أناقة روحه، ظل أمينًا على تلك الصيرورة التي جمعته بالإعلام والشعر، وكأنه يكتب يوميًا عهدًا جديدًا مع الجمال، ومع مسؤولية الكلمة. ولم يقتصر حضوره على المناصب أو اللقاءات البروتوكولية، بل بات عطاؤه حديث الوسط الثقافي، وهو حضور فعّال ومؤثر، يجمع بين الرؤية الإدارية الواعية، وبين الحس الثقافي العميق الذي لا يُكتسب إلا بمن عاش التجربة وعشقها.

أكثر ما أثار إعجابي مؤخرًا، هو شغفه المتنامي بإعادة الحياة لقلب بغداد، لشارع الرشيد الذي كتبتُ عنه كثيرًا شخصيًا، مناشدًا ومتوسلًا أن يحظى بالاهتمام، بعد أن ضاعت ملامحه دون استجابة. بل إن أحد المسؤولين أجاب قبل سنوات على عمود كتبته عن الشارع ونشرته في «الزمان»، بقوله: (كافي عاد... شِدعوة؟ لقد خبّصتمونا بهذا الشارع!)، ناسيًا – مسؤول الصدفة ذاك – أن شارع الرشيد العريق، ومحيطه من الأزقة التي تقود إلى شارع المتنبي الشهير، هو نبض الذاكرة العراقية في كل حجر ومبنى وواجهة.

لقد رأيت الدكتور الساعدي هناك، في الفعالية التي أشرتُ إليها ببداية سطوري. في تلك الأمسية، لم يكن مجرد مسؤول حاضر، بل كان المتحدث الأبرز، يتكلم بمحبة وعشق صادق عن تراث بغداد، عن تاريخ شارع الرشيد، وعن الطموحات التي تراوده وهو يسعى إلى تحويل هذا الإرث إلى مشهد حي، ينبض بالجمال والمعنى. كان حديثه نابعًا من صميم العارف بعراقة المكان، ومن شغف من يريد أن يعيد له مجده، لا بخطابات أو شعارات، بل بخطط ومبادرات فعلية.

ما شدني حقًا، هو ذلك التوهج الشبابي الذي لم يخفت، وتلك القدرة على الجمع بين الرصانة الإدارية وجنون الحلم. إن رؤية مسؤول بهذه الروح وهذه الرؤية تمنحنا بصيص أمل بأن الثقافة ليست مجرد ترفٍ أو ماضٍ نتمسك به، بل هي مشروع مستقبلي حي، إذا تولّاه المخلصون. لقد سعدتُ برؤية صديقي، وليُحسب سطوري ما يُحسب، فقد ازددت قناعةً بأن هذا الجيل من المسؤولين، إن حمل همَّ الثقافة بكل صنوفها بصدق، يستطيع أن يُترجم أحلامنا المؤجلة إلى واقع نعيشه ونفخر به.

 

Z_alhilly@yahoo.com

 


مشاهدات 64
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2025/04/26 - 3:29 PM
آخر تحديث 2025/04/27 - 10:03 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 519 الشهر 29193 الكلي 10909840
الوقت الآن
الأحد 2025/4/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير