التشابه والإختلاف (1)
من هو الأصل في حياتنا ؟
منقذ داغر
بلدي هو العالم ووطني هو الإنسانية آينشتاين هل تحب لعبة إيجاد الفروقات بين الرسوم المتشابهة؟ هل انت بارع فيها؟ أم انت ممن لا يهتمون بتفاصيل الأختلاف وتركز على المعنى العام المتشابه للصور؟ شخصياً، لطالما كنت سيئاً في النظر لتفاصيل الأختلافات لأني باستمرار انظر للصورة الأكبر التي فيها من المتشابهات اكثر بكثير من المختلفات. مع ذلك فلا زالت أصداء أصوات شيوخ المساجد ورجال الدين الذين كنت اتابعهم في صباي وشبابي ترن في اذني لتحفر صورة ابدية عن الاختلاف بين الإسلام وبقية الأديان وبين مذهب ابي وأمي ومذاهب الآخرين. كم مرة سمعت منهم ان الإسلام هو دين ودنيا، وليس فقط دين كما هو حال المسيحية او فقط دنيا كما هي اليهودية!! وما زلت لليوم اتعجب من تأكيد مشايخنا (وساداتنا) على ما يميزنا عن الأديان الأخرى رغم اني اليوم،وبعد كل ما قرأته وعرفته اعلم ان المشتركات بين ديننا واليهودية والمسيحية هي اكثر بكثير من الاختلافات. لا زالت فكرة اننا الدين التوحيدي الحقيقي الذي لم يتم تشويهه او تحريفه محفورة في داخلي ولطالما جعلتني انظر لمن لا يؤمنون بما اؤمن بأنهم اقل عقلاً وحظاً في الدنيا والآخرة. يا رباه، كم اسعدني وانا مراهق غض سماع رجل الدين في المسجد الذي يأخذني ابي اليه وهو يؤكد انني من الفرقة الناجية الوحيدة التي ستدخل الجنة واننا سنضحك على بقية الفرق التي مثواها بلا شك النار. أجل أسعدني ذلك الشعور الذي يسميه علماء النفس ب» لذة المجد BIRGing» تماماً مثلما يفرح اياً منا لأنه من انصار الفريق «س» الذي يفوز دوماً بالبطولات. ومن لا يسعده ان يلعب مع المنتصر ويشجعه؟!! هكذا يجيد رجال الدين وقادة الفرق الاجتماعية اللهب على مشاعرنا من خلال إشعارنا بأننا مع الجماعة المنصورة والرابحة والفائزة،سواءً في الدنيا او الآخرة.
ندم كبير
اما على الصعيد الأجتماعي فكم كنتُ أطرب لمن يقول لي انت رجل ولذلك فانت «تختلف“عن المرأة لذا لديك افضلية في اللعب والتصرف والعمل والحب وحتى الدراسة. وحينما تزوجت اردتُ ككل اقراني ان اتفاخر بأن ولدي البكر ذكر لأنه مختلف و(افضل) من الأنثى. ورغم ندمي الكبير بعد ذلك الا ان تنشئتي جعلتني اقبل حينها خرافة تفوق الذكر.الخلاصة انني ككل اقراني نشأت في بيئة جعلتني مختلفاً عن الآخر بسبب جنسي، وشكلي، وعائلتي، ومستواي الأجتماعي، وديني، ودنياي وطائفتي وبالتالي حتى آخرتي. فهل كانت تنشئتنا الأجتماعية التي تؤكد على الأختلاف نعمةً ورثناها أم نقمةً الفناها؟
هل نحن كبشر مختلفين ام متشابهين؟ هل الاختلاف هو القاعدة التي تجعل التشابه استثناءً، بمعنى لو لم يكن هناك اختلاف فهل كنا سنميز التشابه؟ أم التشابه هو الأصل الذي يجعل الاختلاف استثناءَ؟ وإذا كنا مختلفين كما يعتقد بعضنا فهل هذا يعطي افضلية او عُلوية لأحدنا على الآخر؟
وإذا كنا متشابهين كما يعتقد البعض فهل هذا يعني اننا متساوون في كل شيء ولا يوجد من هو أفضل من الآخر؟ هذه الأسئلة وشبيهاتها تقفز الى ذهني كلما تفكرت فيما يجري عموماً، وما يجري في العراق تحديداً. فما يجري حالياً ما هو الا انعكاس لفلسفتنا في الحياة وكيفية نظرنا للمتشابه والمختلف. فمن يؤكد على الاختلاف سيرى بالتأكيد اننا كبشر نخضع لثنائية (انا-هو)، أو (نحن-الآخرون). اما من يؤمن بالتشابه فليس أمامه سوى خيار «نحن». بالتالي فالحياة بالنسبة له ليست لعبة تنافسية يربح فيها من يجد الفروقات السبعة، بل رحلة وجودية بصحبة الجميع الذين يتعاونون ولا يتنافسون، ويتسالمون ولا يتــــــــــــــــقاتلون، ويتســــــــــــــاوون ولا يتمايزون، ويتقاربون ولا يتباعدون.
لعبة تنافسية
انها رحلة جماعية يخوضها الجميع وليس فرداً واحداً، ويصل فيها الجميع لغاياتهم حتى وان اختلفت تلك الغايات. أما ان تصبح الحياة لعبة تنافسية يكون فيها البقاء للأقوى وبحسب قانون النشوء والتطور لدارون فالكوكب لن يكون حينذاك افضل من غابة يسودها قانون البقاء التنافسي الذي يجعلنا نفكر بكيفية القضاء على المنافسين قبل ان يقضوا علينا. جرّبت الاستعانة بقصير العمر «كوكل» للبحث في عناوين الكتب التي تبحث في فقه الأختلاف،وتلك التي تبحث في فقه التشابه ففوجئت بعشرات الكتب والمقالات التي تبحث في فقه الإختلاف في حين لم أعثر على عنوان واحد عن فقه التشابه! والغريب ان من يصنفون دينياً بأنهم من رعاة الفكر الديني المتطرف هم اكثر من يتحدثون عن فقه الأختلاف وكيف أنه رحمة في حين انهم يؤكدون في ذات الكتب بأنهم هم الذين اجتباهم الله للهدى من دون سواهم وأن منهجهم هو المنهج القويم!! أذكر محاضرة القاها علينا الشيخ الدكتور احمد الكبيسي اطال الله عمره في عام 1999 في جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا وقال حينها ان بين الشيعة والسنة اكثر من 90 بالمئة من المشتركات لكن «علمائهم» تراهم دوماً يؤكدون على تلك ال 10بالمئة المختلفين حولها وينسون ال 90بالمئة التي يشتركون فيها.
لكن لماذا هذا التوكيد على فقه المتشابهات والمشتركات؟ لماذا يجب تعزيز الاعتقاد بأن التشابه هو الأصل والأختلاف هو الأستثناء؟ هل ذاك لمجرد انحياز فلسفي، او لحقيقة دينية «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى....يا بني آدم ...الخ» ام لضرورة حياتية وجودية؟