إستبدال محرّك السفينة وطاقمها (1)
متى يتغير النظام في العراق؟
منقذ داغر
«التغيير العظيم رهن أيدينا، ومهمتنا وواجبنا هو ان نجعل تلك الثورة وذلك التغيير سلمي ومفيد للجميع»
الرئيس الأمريكي جون كيندي
متى يتغير النظام في العراق؟ وكيف يمكن تغييره؟ كم ستبقى الطبقة الحاكمة الحالية مسيطرة على الحكم؟ والى متى يبقى العراق في هذه الدوامة من الفساد والمحاصصة وعدم الكفاءة؟ ما هو التوصيف العلمي للمرحلة التي يجتازها العراق اليوم؟ هل نحن قريبين أم بعيدين عن التغيير للأفضل؟ هل يمكن ان يقود هذا التغيير الى فوضى ام نحن مهيئين للأنتقال لمرحلة سياسية جديدة؟ هذه بعض الأسئلة التي طالما تداولها الشارع العراقي طوال السنين السابقة وقد باتت تطرح بشكل أكثر حدةً،وتكراراً في السنين القليلة الماضية. أنها ذات الأسئلة التي سأحاول الإجابة عنها عبر هذه السلسلة من المقالات مستنداً في ذلك الى ما كتبه الباحثون في العالم عن التغيير في المجتمعات التي مرت بظروف مشابهة من جهة،وبما يتوفر من معلومات عنما يجري على ارض الواقع في العراق من جهة أخرى.
معنى النظام
كتبت قبل مدة تعليقاً في أحد مجاميع التواصل عن تغيير النظام في العراق فأجابني أحد المنتقدين الدائمين للنظام السياسي القائم بما معناه انه سيتصدى بالعنف والقتل لأي شخص يفكر بتغيير النظام!! وأن الدماء ستسيل دفاعاً عن هذا النظام ومكتسباته! كان رداً مفاجئاً لأن هذا الشخص فهم تغيير النظام بأنه ليس فقط تغييراً للنظام السياسي بل هو قبل ذلك خسارة لإمتيازات الحكم التي يدافع عنها كأحد سياسيي هذا النظام الحاكم. ثم أجابني شخص آخر، معتقداً أني أدعو لإنقلاب عسكري على النظام السياسي القائم بعد 2003 والعودة لما قبله بأن زمن الانقلابات ولى وأننا لا نريد مزيد من العنف!! لقد كان واضحاً ان هناك خلط واضح بين مفهومَي ومعنيَي النظام السياسي، والسلطة الحاكمة. هذا الخلط يعود اولاً لخطأ شائع في الترجمة العربية. فكثيراً ما يترجم مصطلحَي النظام السياسي political system ونظام السلطة الحاكمة regime ruling بنفس المعنى وهذا يحدث لبساً كبيراً. يشير مصطلح النظام السياسي الى الإطار الكلي والمؤسسي الذي تتوزع فيه القوة وتمارس من خلاله السلطة في المجتمع. وهذا يمكن ان يتجسد بصيغة نظام شمولي او ديموقراطي،شيوعي او رأسمالي، او شكل آخر خليط من أنظمة متعددة. أما نظام السلطة الحاكمة regime فهو يشير الى الحكومة الراهنة وطريقة الحكم في اطار النظام السياسي. وفي الوقت الذي يمثل فيه النظام السياسي المؤسسات وقواعد الحكم الكبرى، فأن السلطة الحاكمة تمثل الفاعلين السياسيين والنخب ومجاميع القوة والسلطة وتفاعلاتها داخل النظام. بهذا المعنى فأن من الواضح في العراق ان الناس تريد تغيير نظام السلطة الحاكمة وليس تغيير النظام السياسي بمعناه الأوسع. أنها تريد تغيير محرك السفينة وطاقمها وليس تغيير السفينة بأكملها. أما السبب الثاني للخلط والخوف من مصطلح تغيير النظام فهو الجهل بالمعاني المختلفة لمصطلح نظام الحكم. باختصار فأن هذا المصطلح يستخدم بثلاث معاني في أدبيات السياسة. المعنى الأول هو قواعد اللعبة السياسية (المعنى الإجرائي) كالمحاصصة مثلاً في العراق، والثاني هو النخبة الحاكمة أو الفاعلين في النظام كالأحزاب والمؤسسة الدينية وسواها من صناع القرار، أما المعنى الأخير وهو الأقل استخداماً في الأدبيات فيعني طريقة التفاعل بين الحكام والمحكومين (المدخل الاجتماعي).
بناءً على هذه التعريفات الثلاث لنظام السلطة الحاكمة فأن التغيير أمر يجب ان لا يخيفنا بل هو امر مطلوب كون البيئة المحيطة بأي نظام حكم بيئة غير ثابتة ومتغيرة. بالتالي فأن ما كان يصلح في سنة 2004 مثلاً لا يصلح بالضرورة لعام 2025. أن علينا ان لا نخشى التغيير بل نطالب به لأن الإنقراض والزوال هما بديل التغيير . فوفقاً للمعنى الإجرائي للنظام كما تم شرحه سابقاً،والمتعلق بقواعد اللعبة السياسية، فأن قواعد المحاصصة التي قام عليها نظام الحكم في العراق طيلة العقدين الماضيين اثبتت انها سبب رئيسي في تحول نظام الحكم من نظام ديموقراطي تم تصميمه لخدمة الشعب الى نظام كليبتوقراطي Kleptocracy يعمل لخدمة النخب.
اما بخصوص التعريف الثاني للنظام (النخبة الحاكمة) فأنها اثبتت في العراق فشلها في إدارة دفة العملية السياسية وتحولت الى اوليغاركية متغانمة تخدم مصالحها على حساب الشعب. وأذا انتقلنا للمعنى الثالث لنظام الحكم (طريقة تفاعل الحاكم مع المحكوم) سنرى الفجوة الهائلة بين الأثنين الى الحد الذي لم تتجاوز فيه مثلاً ثقة العراقيين بالبرلمان الذي يفترض ان يمثلهم 15-20% بحسب كل الاستطلاعات التي أجريت منذ عقدين من الزمن. وبات الحنين لزمان الطغاة والحكم العسكري شائعاً بين الناس الى الحد الذي اعرب فيه اكثر من ثلثي العراقيين في استطلاعات الرأي الأخيرة رغبتهم في أن يحكمهم رئيس قوي لا يكترث لنتائج الانتخابات. كما انخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في العراق بموجب الأرقام الرسمية-لا التقديرات غير الرسمية- من حوالي 80% في اول انتخابات أجريت بعد الاحتلال في 2005 الى 36% في انتخابات 2021 الأخيرة ولا يتوقع ان يكون حال انتخابات 2025 المزمع اقامتها بعد اشهر أفضل.
جميع الأرقام السابقة تؤكد ذات الاستنتاج: هناك رغبة وحاجة لتغيير نظام الحكم regime بمعانيه الثلاثة (الإجرائي والنخبوي والإجتماعي). أما النظام السياسي القائم على مبادئ الديموقراطية وفصل السلطات الثلاث فلا توجد دلائل مهمة على رغبة الشعب في تغييره. لا بل ان كل استطلاعات الرأي العام التي قامت بها المجموعة المستقلة للبحوث طيلة العقدين الماضيين اثبتت ان الغالبية المطلقة من العراقيين تفضل هذا النظام على أي نظام آخر. لكن اذا كانت هناك رغبة في تغيير نظام الحكم فهل ان الظروف ملائمة وناضجة لحصول ذلك؟ وهل ستسمح الطبقة الحاكمة بحصول ذلك ام ستقاوم هذا التغيير بكل ما اوتيت من سلطة كما فعلت في تشرين 2019؟ واذا سمحت الأوليغاركية الحاكمة في العراق بحصول التغيير أو لم تستطع مجابهته فهل العراق مهيأ لمثل هذا التغيير،ام سنكون إزاء فوضى عارمة؟