قراءة في الدوافع والتداعيات
إلغاء إسرائيل لتأشيرات نواب فرنسيين
محمد علي الحيدري
أثار قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية بإلغاء تأشيرات دخول عدد من النواب والمسؤولين الفرنسيين جدلاً واسعًا، لا سيّما أنه استهدف وفدًا كان يعتزم زيارة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة. ورغم أن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت القرار قانونيًا ويستند إلى صلاحيات الدولة في تنظيم دخول الأجانب، فإن السياق السياسي الذي صدر فيه يفرض تساؤلات تتجاوز الجانب الإداري البحت.
من حيث الشكل، تمتلك الدول السيادية حق تنظيم دخول الأجانب إلى أراضيها، وتملك صلاحية رفض أو إلغاء التأشيرات، خاصة إذا رأت أن في ذلك تهديدًا لأمنها القومي أو مصالحها السياسية. لكن من حيث المضمون، فإن استخدام هذه الصلاحية تجاه وفد برلماني منتخب من دولة حليفة، مثل فرنسا، يعكس مستوى متزايدًا من التوتر بين إسرائيل وبعض الأطراف الأوروبية، ويعكس أيضًا حساسية إسرائيل المتزايدة تجاه أي تحرك دولي يُحتمل أن يحمل طابعًا رقابيًا أو تضامنيًا مع الفلسطينيين.
تبعات إنسانية
الوفد الفرنسي لم يكن بصدد القيام بتحرك عدائي أو استعراضي، بل زيارة ميدانية تستهدف فهم الأوضاع الإنسانية والسياسية في غزة، في ظل حرب متواصلة خلّفت تبعات إنسانية جسيمة. ومنع هذا الوفد، حتى قبل دخوله، يُرسل رسالة مفادها أن الحكومة الإسرائيلية لا ترحّب بأي نوع من أشكال الرقابة الأخلاقية أو التضامن الدولي إذا لم يكن منحازًا بالكامل لروايتها. القرار قد يُفهم أيضًا في سياق داخلي إسرائيلي، حيث تعاني الحكومة من ضغوط سياسية متزايدة، سواء بسبب إدارة الحرب أو التحديات القانونية التي يواجهها رئيس الوزراء. في هذا السياق، يمكن تفسير القرار كجزء من محاولة لضبط إيقاع المشهد الدولي، والتقليل من أي انتقادات قادمة من الخارج، لا سيما من الاتحاد الأوروبي الذي بات يشهد انقسامًا متزايدًا في مواقفه تجاه ما يحدث في غزة. لكن على المستوى الاستراتيجي، فإن مثل هذه القرارات قد تأتي بنتائج عكسية. فهي تُضعف جسور الحوار مع المؤسسات الأوروبية، وتمنح الأصوات الناقدة لإسرائيل أدلة إضافية على ما تعتبره “ضيقًا في الأفق الديمقراطي”. كما قد تدفع برلمانات أوروبية أخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة حيال السياسات الإسرائيلية، ليس تضامنًا بالضرورة مع الفلسطينيين، بل احتجاجًا على تغييب مبدأ الشفافية في التعامل مع الزوار الرسميين. في المحصلة، يمكن القول إن إسرائيل استخدمت حقها القانوني، لكنها فعلت ذلك بطريقة تُعبّر عن أزمة سياسية أكثر من كونها تعبيرًا عن سيادة رصينة. والرهان على إقصاء الشهود الدوليين لا يبدو حلاً طويل الأمد، بل يزيد من تعقيد صورة إسرائيل في الخارج، ويُعمّق الفجوة مع جزء متزايد من الرأي العام الغربي.