حافة الهاوية.. لعبة النار بين واشنطن وطهران
صباح زنگنة
سياسة «حافة الهاوية» هي استراتيجية تقوم على اساس دفع الخصم إلى حافة النزاع أو الكارثة بغية إجباره على تقديم تنازلات لصالح الطرف الآخر ، وتعتمد هذه السياسة على التهديد باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية القصوى مع الاعتقاد أن الطرف الآخر وخوفًا من الكارثة الشاملة سيتراجع في نهاية المطاف . ويعود هذا المصطلح إلى فترة الحرب الباردة وأول من صاغه بصيغته المشهورة هو جون فوستر دالاس (John Foster Dulles) وزير خارجية الولايات المتحدة في الخمسينيات. اليوم وفي خضم التوترات التي عصفت بالشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة برزت سياسة حافة الهاوية كجزء من العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وإيران كأحد أبرز نماذج تطبيق هذه السياسة والتي تقوم على دفع الخصم إلى حافة النزاع المسلح مع الإبقاء على السيطرة الدقيقة لمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.
فراغات استراتيجية
حيث يتبادل الطرفان رسائل نارية وعمليات نفسية بأعلى المستويات على وقع فراغات استراتيجية خلّفها انكسار النظام السوري وتراجع نفوذ حزب الله وحماس، وهذه الديناميكية المحفوفة بالمخاطر تعيد صياغة معادلات القوة في الشرق الأوسط في ظل تصعيد غير مسبوق عززته تدخلات الكيان الإسرائيلي العلنية، لتتحول المنطقة إلى مسرح مفتوح لاحتمالات التصادم المباشر.ومع انحسار قبضة دمشق التي كانت تشكّل صمام أمان لمحور المقاومة، وجدت إيران نفسها أمام ضرورة ملحة لإعادة التموضع الاستراتيجي، خشية فقدان نفوذها الممتد من طهران إلى بيروت، وفي المقابل رأت الإدارة الأمريكية في هذا الانكماش فرصة سانحة لتكثيف الضغوط وفرض معادلة جديدة ترغم طهران على التراجع. لقد أتقنت واشنطن استخدام سياسة دفع الخصم إلى حافة الصدام العسكري، مع الحرص الدقيق على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة، فكانت العقوبات الخانقة، والضربات المحسوبة ضد الحلفاء الإقليميين لطهران، وسيلة لإيصال رسائل استراتيجية مشبعة بالتهديد. على الجانب الإيراني، جاء الرد محسوبًا هو الآخر، طهران التي علمت جيدًا تقنيات اللعب على شفير الكارثة، اعتمدت هي الاخرى سياسة الاستنزاف الذكي متمثلة بهجمات عبر وكلاء في المنطقة وعمليات استهداف للمصالح الأمريكية المباشرة وغير المباشرة وعدم الانصياع الى مفاوضات في ظل التهديد مع الحفاظ على مستوى من الضبط يقي من اندلاع مواجهة مباشرة مفتوحة لا تحمد عقباها.
ضغوط اقتصادية
لا يمكن قراءة هذا المشهد بعيدًا عن تحولات كبرى أفرزها تراجع حضور حزب الله اثر القصف الاسرائيلي العنيف واغتيال قادته وكذاك الضغوط الاقتصادية والعسكرية الامريكية التي جعلته أقل قدرة على المناورة، الامر الذي دفع طهران إلى توزيع أوراقها بشكل أوسع مع الانفتاح على أدواتها في العراق واليمن لتصبح المنطقة بأسرها عالقة في قبضة لعبة بالغة الخطورة يراهن فيها الطرفان على قدرة كل منهما على إخافة الآخر دون السقوط في هاوية المواجهة الكاملة وكانت نتيجتها بعد مرحلة الشد والجذب الجلوس «غير المباشر» على طاولة المفاضات في سلطنة عمان .
ومع ذلك وكما هو معلوم في رهانات الحافة، فإن لحظة واحدة من سوء التقدير كفيلة بإشعال ما لا يمكن إطفاؤه مستقبلا ، وما يمكن التخوف منه حاليا ان تتفرد اسرائيل بادارة الـــــــــقرار العسكري بتوجيه ضربة استباقية الى ايران بعيدا عن الرغبة الامريكية فيتحقق بعدها «السقوط في الهاوية» لا الرقص على حافتها وشفيرها ..!! .
رئيس مركز اتــــــــحاد الخبراء الاستراتيجيين