قصة قصيرة. ..
الطريق إلى النور ...
 نوري جاسم 

في قرية صغيرة بين الجبال، كان هناك شاب يدعى "سليم" يسعى للوصول إلى قمة جبل الحكمة، حيث يُقال إن هناك شيخًا عارفًا يُعلّم أسرار الحياة والوصول إلى الصراط المستقيم لمن يريد ان يصل إليه، وكان الطريق وعرًا وطويلًا، لكنه قرر أن يبدأ الرحلة بثبات، في بداية الطريق، كان سليم يمشي بخطى ثابتة، لكن في كل مرة كان يسمع صوتًا خلفه، كان يلتفت ليبحث عن مصدره، مرة يرى طائرًا يحلق، ومرة يسمع خطوات غريبة، وأحيانًا يستوقفه صوت الريح بين الأشجار، ومع كل التفاتة، كان يفقد جزءًا من طاقته، وكان يتعثر أحيانًا أو يضل الطريق، مرّت أيام وليالي وأسابيع وأشهر واعوام، وهو يسير بهذه الطريقة، حتى التقى برجل عجوز يجلس على صخرة عند منتصف الجبل، وقال له العجوز: "إلى أين أنت ذاهب؟" أجاب سليم بحماس: "إلى قمة جبل الحكمة، أبحث عن النور!"ابتسم العجوز وقال: "ولكنك لن تصل أبدًا ما دمت تلتفت في كل مرة، ومن يلتفت يتأخر، ومن يتأخر قد لا يصل." الم تسمع قول الصالحين ( ملتفت لا يصل ) فهم سليم حينها المعنى العميق لعبارة "ملتفت لا يصل"، وأدرك أن الالتفات المستمر إلى الماضي أو إلى ما لا يفيده، يعيقه عن الوصول إلى هدفه، ومنذ ذلك اليوم، قرر أن يمضي قدمًا دون أن يلتفت لما خلفه، فوصل إلى القمة، وعرف أن الحكمة ليست في الطريق فحسب، بل في الثبات على المسير، وحين وصل سليم إلى قمة الجبل، وجد الشيخ الحكيم جالسًا ينتظره، كأنما كان يعرف بقدومه، وجلس أمامه بخشوع، فقال له الشيخ: "يا بني، الطريق إلى النور لا يُقطع بالتردد، ولا يُبلغ بالحيرة، ولا يناله من يشغله الماضي عن الحاضر، أو الخوف عن اليقين، وكل من التفت إلى ما وراءه ضعف يقينه، وكل من ثبت نظره إلى الأمام قوي إيمانه، وان سرّ الطريق في الاستمرار، وسرّ الوصول في الثبات." حينها أدرك سليم الحكمة الكسنزانية العميقة: "من أراد السير إلى الله، فعليه أن يترك التشتت، ويمضي بقلب ثابت، لأن الملتفت إلى الوراء محجوب عن نور الحقيقة، ولا يصل." وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  ..