الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تشارلز ديكنز ... رائد الرواية الاصلاحية


تشارلز ديكنز ... رائد الرواية الاصلاحية

 مهند الياس

 

مدخل:

ان التأثير الذي احدثته الثورة الصناعية على القيم والعلائق الانسانية والاجتماعية ، تركت محصلة ، كانت من اهم نتائجها ، خلق اجواء من الصراعات الطبقية الطويلة المريرة والمدمرة ، حيث دخل الفرد الانكليزي مرحلة عصيبة ، ومعقدة ، خاصة بعد ان حدث مايسمى ، ب .. ( فاجعة المجاعة الكبرى) في ايرلندا عبر الاعوام 1829..1833 .. 1834 .. وامتدت مأسيها لتشمل بعض اقاليم الجزر الاخرى ، ومن هنا يمكن ان يؤرخ لهذه الفترة التي رافقت تسنم الملكة فكتوريا عرش انكلترا ، بالفترة الحرجة ‘ اذ دبت الفوضى في شتى صورها واشكالها مما دفعت ارباب الاعمال والمصانع الى التحكم في الشؤون العامة للمجتمع الامبراطوري ، ومن النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ..!

ففي هذا الخضم المتلاطم من الاحداث ـ ظهرت بوادر اصلاحية ، فكرية ودينية وثقافية ‘ غاية منها اصلاح ما افسده الدهر ، ومن خلال ارهاصاتها .. فكانت افكار ( توماس كارليل) و ( جون دسكن) و ( ماثو ارنولد) وغيرهم ، من ابرز ماحضي به الجانب الاصلاحي ، لكن تهافت القيم اصبحت متداخلة لاتقف امامها المعالجات ، ولاحتى تأثير الكنيسة التي فشلت هي الاخرى من مواجهة مسار ذلك السخط الذي اججنه - الالة - وما الت اليه من نتائج وخيمة وسيئة ..!

الادب الاصلاحي الواقعي:

لقد حفل العصر الذي تركته اجواء الثورة الصناعية بظهور - ادباء - روائيين وشعراء نهضوا بتوجساتهم ازاء تخالط الاحداث فكانت اصداء الشعرا مثل ( ملتن) و ( بوب) و ( فرجل) و ( بروتنج) و ( دانتي جبريل) و ( كرستينا دوزيني)

و ( سوينبرن) و ( فرانس تومبسون) ،، حيث مقل هؤلاء الطائفة المتقدمة والتي تميزت باصالتها وعمق افكارها ، فكان لها الاثر الفاعل في تصوير المعاناة الانسانية وتحديد كنه جوانبها المختلفة اما في الرواية فكانت لها الحضوة في رصد الواقعي ، وما ينطوي عليه من التباسات وتقاطعات ، فبرز ديفو ،، الذي تميز بكتاباته الساخطة ، وبالاحاطة لما يسمى [ ..( تراث الصعلكة) .. وكان ايضا من اشد دعاة نبذ القيم والروح الساخطة .. وبرز ايضا كتاب اخرون مثل ( ريتشاردسون) و ( فيلدنغ) , ( اميلي برونتي) التي اشتهرت بروايتها الرائعة - مرتفعات وذرنغ - والتي سجلت فيها الرؤية لما كانت تزدحم بها الحياة عام 1947 .. وهي رواية متخمة بالعواطف الاجتماعية وما ترسمه الوشائج الانسانية من خصائص خالصة ، فكان عملها هذا نموذجا حيا لازال شاخصا في ذاكرة الادب الانكليزي مثل بقية الروائع الفنية الخالدة ..!

قصة اوليفــر:

ان طهور تشارلز ديكنز :Charles Gohn Huffum Dickens في روايته Black Hous - البيت الاسود - يعتبر البادرة الاولى لما تخبئه اعماقه من تضاد تجاه القيم السائدة في عصر فقد عبر عن كتابه هذا بقوله :( لقد عمدت في هذا الكتاب الى الاسهاب في الجانب الرومانسي للآشياء المألوفة ، حيث كشف فيه ديكنز عن نقده المباشر والمؤثر لما يدور داخل المجتمع الانكليزي من تناقضات وعنف ، وسخط ، ومشاهد مأساوية انذاك ، اذ كثير ما تقترن هذه الرواية برواينه اوقات عصيبة ( Hard Time) والتي اعتبرها النقاد بمقابة وثيقة ادانة للفردية المستبدة في المجتمع الانكليزي .

ان روايته الشهيرة اوليفر توست ، والتي كان لوقعها الشديد في نفوس محبيه وقرائه ، دفعته لان يكون في المصاف الاول من رواد الرواية الاصلاحية الواقعية كونها صورت بحق العالم المسكون بالفقر والظلم .. فهي عبارة عن مشاهد متصلة ارتفعت الى ذروة الاثر الميلودرامي بالرغم من مداهمة اسلوبه من قبل بعض معاصريه من النقاد ، كونه كان ( يتبجح بالتبذل والمبالغة) ..!

لقد سعت - اوليفر توست - ان تقدم نموذجها الخاص ووفق الاسلوب الديكنزي ، في الكشف عن العنف الذي احاط بالمجتمع الاتكليزي ، فكان تعامله مع ابطاله وشخوصه هو بالاساس تعاملا مع التأريخ الاجتماعي ..ّ!

..(( كانت البيوت على الجانبين عالية وواسعة ، ولكن قديمة ، ويسكنها اناس من افقر الطبقات ، كما يشير مظهرهم المهمل دونما حاجة للشهادة المتواصلة التي تقدمها نظرات قذرة من عدد قليل من الرجال والنساء الذين تسكعو باذرعة متشابكة واجساد تضاعفت حجمها ))

.. وفي الرواية يبرز المشهد والذي يسمى : اوليفر يطلب المزيد :(( Olliver Tweist Assks for more)

،، والذي يمثل طلب - اوليفر - الصغير من الناضر بكمية اكثر من الحساء ، حيث يكون هذا المشهد بداية لما ستؤول اليه المواقف عبر سلسلة من الاحداث والمشاهد الميلودرامية ـ اذ يحكم عليه جزاء لوقاحته وجرأته بالسجن في حجرة معتمة يلفها الظلام من كل جانب ، وكذلك يجلده كل يوم امام جمع غفير من الاطفال وحتى يكون هذا الحكم ( عبرة) لغيره من الذين يتجاوزون على النظام ..ّ

.. ويلحق - اوليفر - بعدئذ بخدمة رجل يدعى ( سوربري) يمتلك ورشة لصنع التوابيت ، يرغمه هذا الرجل يالنوم بين اكداسها ، فبظهر الطفل الصغير بحالة قاسية ، فتخالجه افكار شتى وتتخالط في رأسه حتى سحنة وجهه تتبدل نحو الذبول والاصفرار ، ولكن الطفل سرعان مايفكر بالهرب متخلصا من هذه الكوابيس التي يحتويها هذا العالم المفزع قاصدا لندن ومتسكعا في احيائها وضواحيها المترامية حتى اذا ماالتقاه احد المحتالين ويدعى ( دوجر) ضمه الى عصابته المتخصصة بالسرقات دون ان يعرف الطفل عن شأن هذا الرجل ومقاصده وغاياته ..ّ

.. ففي احدى عمليات السطو التي بكلف بها ، ومما تليق به كطفل لايلفت النظر ، يدخل احد البيوت متخفيا ، فيسقط في قبضة الخدم ، و وهنا تكون النهاية السعيدة لاوليفر حيث يكتشف بان صاحب البيت هو احد اصدقاء والده ، وان ( روزميلي) التي تتبناه من جديد هي خالته ..!!

.. يقول الناقد الانكليزي ( ارنولد كتل) عن ديكنز : ( انه يتعامل ليس مع العلاقات الشخصية كما تفعل اوستن ، ليس مع نوعية الشعور في حياة تفصيلية ، وانما مع شيء تدعوه بدون صمت : الحياة ان ما نجده في اوليفر توست - ليس دقة اعظم من الاحساس بالمشاكل اليومية للسلوك الانساني بل حس مشحون بالحركة والاعراض عن الحياة التي تحفل بالمشاكل)).

ان قيمة - اوليفر توست - كرواية تكمن في كونها ( اصلاحية) تقدمت اعمال ديكنز ومن خلال نماذج ابطاله الذين احسهم تماما ، وتفقد فيهم مايعانوه من مرارة وحرمان ، ذلك كونهم يمثلون الصورة المصغرة لما عاناه المجتمع الانكليزي باسره من اضطهاد داخل الحياة الاجتماعية ، وحتى ان تولستوي وجد من عالم ديكنز ما اكتنفه اعجابه فقال:( ان كل شخصياته اصدقاء مقربون لي)).

ان ديكنز الكاتب والاديب والروائي ، ترك اثاره الفذه التي منحته صفة الاديب المصلح ،، وذلك انه وجد من محاكات معاناة الانسان ميدأ لغايته وطموحه ، فهو اذن يختلف عن بعض معاصريه من الكتاب والذين توخوا الحياة من جوانبها الثانوية المعتادة دون المساس بتضاداتها الحيوية


مشاهدات 80
الكاتب  مهند الياس
أضيف 2025/04/12 - 2:45 AM
آخر تحديث 2025/04/12 - 9:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1146 الشهر 11527 الكلي 10592174
الوقت الآن
السبت 2025/4/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير