الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الافعال الإلكترونية المخلة بالحياء والاداب العامة وموقف القانون والقضاء الجنائي منه

بواسطة azzaman

الافعال الإلكترونية المخلة بالحياء والاداب العامة وموقف القانون والقضاء الجنائي منه

عماد يوسف خورشيد

 

الثابت في الإنسانية، ان القِيم العُليا هي مِيزان إستقرار التعاملات والعلاقات الاجتماعية كونها المحرك والموجه لسلوك الانسان نذكر منها: العدل، العدالة، الرحمة، التعاون، جبر الخواطر، مساعدة الانسان الاخر، الصبر، عدم التجاوز على حقوق الاخرين، حسن الخُلق، الصدق، الامانة، حرية الرأي والتعبير عنه، الآداب العامة...الخ. ولِذلك حَرصت الاديان السماوية والاتفاقيات الدولية، ودساتير الدول، والتشريعات الداخلية على حمايتها، ومنع إنتهاك إطارها؛ لان حرمتها تَستمد من الانسان ذاته.

ومن القيم الانسانية حُرية الرأي والتعبير عنه، والتي أقرتها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام  1948 في المادة 19 منه. والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان التي صدرت بعدها، ومع ذلك اكدت جميعها على ان لا يخالف حرية الراي والتعبير عنه التعرض لحقوق الاخرين، وفي حال حصول تقيد لهذا الحق ضرورة ان يكون وفق القانون.

ولإلزامية الاتفاقيات أعلاه لجميع الدول المنظمة الى منظمة الامم المتحدة؛ ومسايرة المشرع الدستوري العراقي لما تقدم تضمن الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ في المادة 38 منه على ان حق التعبير عن الرأي مصان ومعتبر لكن بشرط ان لا يخالف النظام العام والآداب العامة.

وتَجسدت أغلب الافعال المُجرمة والمخالفة للقيم العليا في مواد قانون العقوبات والتي تأمر الناس كافة بعدم إرتكاب الافعال المنهي عنها، وإلا تعرضوا لِعقوبات تفرضها المحاكم المختصة بموجب محاكمة عادلة يصدر الحكم فيها باسم الشعب.

ولا مِراء ان ظهور التكنلوجيا وتقنية المعلومات وتطورها الهائل ودخولها في تنظيم أغلب مفاصل الحياة، منها وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي بين الناس، وكان فيها جوانب إيجابية كثيرة، ومع ذلك نتج عنه بزوغ ظواهر سلبية جديدة من الانحراف الاجتماعي بحجة التعبير عن حرية الراي ومنها: ظاهرة تقديم "المحتوى الهابط" المخالف للذوق العام والمخل بالحياء والآداب العامة،                                                                                                                                                                                                                                                                                            وتفاقمت في ظل تراجع واضح في الضبط الاجتماعي لدى بعض الناس: كدور الاسرة، والتماسك الاجتماعي، والثوابت الاصولية.  

            ومما نقف عنده، بيان القانون الذي يتم تطبيقه في حال إرتكاب فعل" المحتوى الالكتروني الهابط". فمن خلال البحث في التشريع العراقي لم نرى أي قانون يعالج الموضوع، وبالانتقال الى التشريعات المقارنة لبيان كيفية معالجة الموضوع، والاستفادة من تجربة الانسان الآخر؛ لاحظنا التشريع المصري انه قد أصدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالرقم 175 لسنة 2018، وجَرّم الموضوع في مادته الخامسة والعشرين من القانون أعلاه، حيث نص على انه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من إعتدى على أي من المبادئ أو القيم الاسرية في المجتمع المصري...".

وفي الاتجاه ذاته، موقف التشريع الاماراتي، إذ أصدر قانونًا خاصًا يُنظم فيه تقنية المعلومات، ومن ضمنها تحديد إطار الافعال المُباحة والمجرمة التي تعرض من خلال المحتويات التي يصنعها الناس، وذلك في قانون مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية رقم 34 لسنة 2021. وكذلك المشرع الليبي أصدر قانون رقم 5 لسنة 2022 م بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية. ولاحظنا إلتفاته دقيقة من المشرع الليبي بأنه وضح في المادة 4 من القانون ان الشخص له الحرية في استخدام شبكة المعلومات الدولية ولكن هذه الحرية تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين بالحركة، إذ نصت على ان "استخدام شبكة المعلومات الدولية ووسائل التقنية الحديثة مشروعة مالم يترتب عليه مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة أو الإساءة إلى الآخرين أو الإضرار بهم". وكذلك المشرع الاردني في قانون رقم 17 لسنة 2023.

ومما ينبغي ان نقف عنده، ان المشرع العراقي لم يواكب التشريعات المقارنة، وبالتالي فان القضاء العراقي يتجه إلى تكييف تجريم الافعال المخلة بالحياء إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل النافذ، تحديدًا المادة 403 منه، وأصدر احكامًا عدة في هذا المقام، وهي أمام انظار المجتمع تحقيقًا للردع العام.

ورغم النقص التشريعي كما تبين، فقد كانت هناك إلتفاتة حكيمة من قبل مجلس القضاء الاعلى الموقر-حفاظًا على قيم المجتمع- بتشكيل لجنة مشتركة لمكافحة مثل هذه الجرائم الالكترونية من خلال تقديم الشكوى والبلاغات إلى موقع (بلغ) والتي تم انشائها في موقع وزارة الداخلية الالكتروني (https://moi.gov.iq/?page=4611 ).

وصفوة القول: نَرى ضرورة قِيام المُشرع الجنائي العراقي بتشريع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات كدأب التشريعات المقارنة، ودراسة طبيعة شبكة المعلوماتية وما يرتكب فيها من جرائم ومنها: برامج مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المختصين، وبيان متى تعد إساءة إستخدام التي قد تحصل من قبل البعض باتجاه الآخرين، وتجريم ذلك وفق قواعد قانونية واضحة للناس كافة، ضمانًا لحفظ القيم الانسانية، ولتطبيق مبدأ المشروعية الجنائية.

 

استاذ القانون الجنائي المساعد

كركوك/ العراق


مشاهدات 305
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/04/09 - 3:28 PM
آخر تحديث 2025/04/13 - 4:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 259 الشهر 11829 الكلي 10592476
الوقت الآن
الأحد 2025/4/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير