الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حرب الإقتصاد الترامبية تثير مخاوف عالمية

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

حرب الإقتصاد الترامبية تثير مخاوف عالمية

لويس إقليمس

 

ليس خافيًا ما تشكله الماكنة الإنتاجية الوطنية والقومية لأيّ بلد من حمائية إقتصادية في تعزيز أركانه ورفد استراتيجياته وفق الناتج المحلّي الذي يفي بالاكتفاء الذاتي مع فائضٍ يترنح بين الوفرة الوافية من السلع وبين الهامش الفائض متاحِ التصدير وفقًا للضرورات والظروف. وفي أبسط الأحوال، لا تجرؤُ دولة أو كيان أو بلدٌ على الدخول في متاهات حربٍ إقتصادية وتجارية من منطلق التهوّر وفرض الذات والأمر الواقع إلاّ في حالة اقتناعها بقدراتها الذاتية والوطنية والقومية على تجاوز ما يثير مخاوفها من الطرف المقابل أو الأطراف قابلة التحدّي.

تعرفات كمركية

فالصراع الاقتصادي مع الدول المتنافسة للسطوة على العالم الاستهلاكي قد ابتدأ مشوارُه من جديد هذه الأيام في أولى مراحله، والمتمثل بحرب التعرفات الكمركية التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ غرمائها الدوليين بل منافسيها الذين تهيأوا منذ فترة لحدّ أسنانهم، ولاسيّما الصين وكندا والهند وعموم أوربا وأمريكا الجنوبية وربما استراليا ودول الأوقيانوس وغيرها ممّن ستشملهم الآن أو لاحقًا بعض أو جلّ هذه الاجراءات، تاركًا الوضع مع روسيا في حالة تربّص وترقّب لغاية انقشاع غيمة الحرب القاسية بينها وبين أوكرانيا المتورطة فيها. لقد بدا الرئيس الأمريكي مثير الجدل «دونالد ترامب» واثقًا بل شديد الثقة بما أقدمَ عليه من إقرار فرض رسومٍ كمركية باهضة تتراوح ما بين 20 - 25بالمئة، وربما أكثر في حالات خاصة على معظم الواردات من بعض هذه الدول حفاظًا على هيمنة صناعة بلده على الأسواق العالمية وتقليص الفجوة في موازين التصدير والاستيراد التي رأى فيها خللاً ينتقصُ من سيادة أمريكا باعتبارها زعيمة العالم كأقوى دولة في ميزان القوى. من جهة ثانية، فقد خلقت القرارات الترامبية «الاقتصادية الثورية» حالةً من الفوضى والامتعاض في أوساط سياسية واقتصادية على مستوياتٍ عالية، فيما شهدت أسواق الأسهم العالمية انخفاضات شديدة وتراجعات حادة في بعضٍ منها، ومنها الأسواق العربية والشرق أوسطية، ما كان له آثارُه الآنية السلبية على حركة الأسواق. ناهيك عمّا يُنتظرُ لاحقًا من نتائج وخيمة على مستوى الانتاج والتصدير والاستيراد. وفي كلّ الأحوال، لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع، إلاّ فيما يراهنُ عليه فريق الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» من توقعه باستقرار الوضع الاقتصادي في بلاده وحصولِه على مبتغاه من هذه الحركة بعد مرور عامٍ على تطبيق هذه القرارات، بحسب مصادر موثوقة في فريقه.

هيمنة امريكية

هناك مَن يرى بضرورة التحام الأنداد المتأثرين بهذه الفوضى لغاية تقويض الهيمنة الأمريكية الصاخبة والحدّ من فرض رؤية رئيسها الذي لا يخفي في السرّ والعلن ضرورةَ تربّع بلاده على مقدّرات دول العالم أجمع في ناحيتها الاقتصادية وبما يضمن لها السيادة أو في الأقلّ التساوي في ميزان الصادرات والواردات مع عددٍ من الدول المنتخبة والمقصودة في هذه الاجراءات.

وقد تأتي الصين على رأس هذه البلدان التي يفوق تبادلها التجاري مع الولايات المتحدة أكثر من ستمائة مليار دولار في السنة، فيما لا تتجاوز الصادرات الأمريكية إليها نصفها بحسب مصادر.

وفي كلّ الأحوال، قد يكون لهذه الأطراف المتصارعة جميعًا ما يبرّرُ فعلتَها بعد استخدام كلّ طرفٍ حججَه وتبريراته ومسببات قراراته. كما لا يُستبعدُ أن  يكون هناك تفاهمات جانبية غير معلنة أو أخرى مبطنة في تنظيم بعض المصالح المتبادلة حفاظًا على علاقات خاصة تبرّرُها. فيما يرى مراقبون مثلاً، أنّ الرئيس «ترامب» بتجاوزه على جارته «كندا» بالأسلوب القاسي في شكل الانقلاب عليها اقتصاديًا.

 يكون قد ضرب عرض الحائط علاقات بلاده التاريخية لغاية عدم احترامه لشكل الجغرافيا الذي فرضته الجيرة والضرورة التحالفية المتبادلة بين البلدين لخلق شراكات متوازنة على اساس الاحترام المتبادل في المصالح وتقاسم الفوائد الذي يُعدُّ السبيلَ الأفضل لديمومة العلاقات بين دول العالم. ويمكننا فهم مقدار التحدّي الذي أبداه رئيس الحكومة الكندية الجديد «مارك كارني»، وهو مصرفي ورجل اقتصاد وصاحب خبرة مهنية، برفضه إضعاف صناعة بلاده الوطنية ومحاربة اقتصادها، متوعِّدًا بالفوز في معركة هذه الحرب التجارية.

كما أنه هدّد باستخدام سلاح الطاقة سبيلاً في هذا التحدّي من خلال تقرير حجبها عن جارته أميركا وبإمكانية إغراقها في الظلام. لكنّه يُؤثر عدم اللجوء إلى شكل هذا السلاح حرصًا منه على مبدأ المساواة والتعامل بالمثل واحترام الجيرة. أمّا فيما يتعلق بأوربا، فقد انتفضت هي الأخرى ضدّ قرارات ترامب وسيكون لها مواقف حادة تجاه هذه الاجراءات لاحقًا.

 

معالجة العجز بإجراءات قهرية

نعود للتذكير. قد تكون الخطوة الأمريكية الجريئة المتمثلة بفرض عقوبات اقتصادية جائرة على شكل رسومٍ كمركية قاسية في بعض جوانبها خيارًا بديلاً لإعادة ترتيب أوراق الأمن القومي الأمريكي بسبب تراجع اقتصاده وتزايد عجز ميزانياته، ما أدّى لرزوحه منذ سنوات تحت طائلة ديون عالمية تريونية دولارية. ورغمَ ما يبدو للقرار الأمريكي من ترقّبِ تحصيل مكاسب في غضون أشهر على بدء تطبيق قرار تحرير الاقتصاد الأمريكي، إلاّ أنَّ مراقبين ومحلّلين يرون بأنّ مثل هذه الخطوة ستكون لها نتائج باهضة الثمن وعواقب وخيمة على المستهلكين والمنتجين في الداخل الأمريكي قبل أي شيء كما على شعوبِ دولٍ أخرى على السواء. كما أنَّ مختلف السلع في الأسواق العالمية من شأنها أن تتأثر كتحصيل حاصل في التبادلات التجارية لكون بعض البلدان الرئيسية المقصودة في رفع التعرفة الكمركية ضدّ صادراتها تشكلُ نسبةً عالية في القيمة التصديرية العالمية لصناعاتها المتنوعة بما فيها المواد الأولية القومية التي تستخدمها الماكنة الصناعية الأمريكية في مجالات عديدة ومنها الصناعات الغذائية والحبوب والماشية والطاقة وصناعة السيارات وقطع الغيار والأجهزة المنزلية والمعادن الأساسية من حديد وألمنيوم ونيكل وما سواها كثير، إلى جانب صناعة الالكترونيات والألعاب والتي تُقدّرُ أقيامُها  بمليارات الدولارات مع هذه البلدان جميعًا. وهذا ممّا سيزيد من ارتفاع أسعار هذه المواد والصناعات التي تستخدمها على أوضاع  المستهلكين وحياتهم المعيشية مع زيادة أكيدة في ناتج التضخم القومي والوطني والدولي وما يلحقُه في جانب الفوائد وقيم الأسهم المتراجعة التي تصيبُها على السواء. وقد بدأت هذه التأثيرات تظهر في صورة تراجع مؤشرات الأسهم والأسعار العالمية للسلع والبضائع المصنّعة.

تشيرُ بعض المصادر الاقتصادية العالمية إلى أن معركة أمريكا الرئيسية قد تكون موجهة بدرجة أساسية ضدّ التنّين الصيني، غريمها المتنامي باطّراد في سائر المجالات، والذي يشكلُ ربّما رأس الحربة في فرض هذه الإجراءات القاسية. وفي اعتقادي، سيبقى البلدان قابعَين على قمّة التنافس الدولي لسنوات طويلة، ما يتطلّبُ شكلاً من التوازن والاتزان في علاقاتهما وبما لا يؤثر سلبًا على شعبيهما وعلى شعوب دول العالم الأخرى التي تواجه بعضُ دولها كسادًا وبطالةً وتضخمًا وإفلاسًا مريبًا وتراجعًا في القيمة الاقتصادية لصناعاتها الوطنية. فقد يكسب أحد الفرقاء معركةً اقتصادية في مادة أو مجالٍ أو مسارٍ، لكنّه لن يكون قادرًا على حسم المعركة النهائية في شكل حروبٍ اقتصادية جائرة تقع ضحيتَها دولٌ ضعيفة الاقتصاد وهزيلة الثروات وأخرى تترنحُ في أحوالها السياسية غير المستقرّة أصلاً، كما مع بلدان فقيرة الموارد تعيش شعوبُها ضنكَ الحياة في كلٍّ من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهي الأكثر تضرّرًا من مثل هذه الحروب الاقتصادية التي يمكن أن تشلَّ الحياة فيها وتوقف حركة السوق وتضعف ماكنتها الصناعية الابتدائية.

لذا في اعتقادي، من هذا المنطلق في التصدّي لأية مساعٍ من جانب الصين خاصة، يعود الرئيس ترامب لإعادة فلسفته الاقتصادية كرجل أعمال متمرّس، لفرض نظرياته في السطو على تجارة العالم قدر استطاعته والحدّ من تنامي المشروع الصيني خاصةً في جذب الاستثمارات إلى خانته وأرضه للأسباب والموجبات التي يراها ممكنة في ظلّ مبررات عديدة، منها كثرة الأيدي العاملة الرخيصة والمساحات الشاسعة المتاحة للعمل والصناعة، إضافةً إلى وفرة المواد الأولية التي تمتلك منها الصين ما يتيح للشركات الدولية الاستثمارَ فيها بأريحية أكثر من غيرها من الدول التي تعاني من غلاء الأيدي العاملة وقلة الموارد الأولية المستوردة أو المنهوبة أصلاً من دول فقيرة استغلّها الاستعمار الغربي، ولاسيّما الأوربي، كسبيلٍ لإقناعها بما هو موجود وقائم وفق مصالح متبادلة مع زعامات أنظمة هذه الدول النامية، بل «المتخلفة». وفي اعتقادي أيضًا، لو كان المبرّر الأكثر إقناعًا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة هو وضع حدّ للعجز التجاري الذي تعاني منه هذه الدولة العظمى التي تراجعَ دورُها في السنوات الأخيرة بسبب سياسة التغاضي والتهاون التي مارستها الإدارات الديمقراطية السابقة، فإنّه قد يعيد العالم في مراحل لاحقة إلى صراعات أخرى سياسية واجتماعية وإقليمية ودولية إلى جانب الشقّ الاقتصادي الذي سيأخذُ منحى آخر إزاء بلدان تسعى لتحدّي الإدارة «الترامبية» تحديدًا. وهذا ممّا يثير القلق إزاء مناطق ساخنة شهدت تغييرات درامية في أنظمتها، كما هي الحال في منطقة الشرق الأوسط، ونحنُ جزءٌ منها. لذا نرى أن لا حدود أمام شهوة أميركا بإدارتها الجديدة المختلفة عن سابقتها الديمقراطية المتهاونة والمتواطئة مع أدواتها وعملائها على المشهد الإقليمي. فقد يأتي الدور على بعض هذه البلدان العاصية، ومنها منطقة الشرق الأوسط ليشمل العراق أيضًا بسبب تشخيص ارتباطاته المشبوهة مع الجارة الشرقية وخضوعه لأجنداتها المتخالفة مع الذهنية الترامبية الصارمة. وليس ذلك ببعبد! فمَن يحكمُ الأرض والبشر والحجر وما فيها وعليها من موارد باطنية ومن هواء وماء، هم الأقوياء و»الأسياد»، وما على غيرهم سوى الرضوخ والتماهي مع المستجدّات بدبلوماسية وحنكة سياسية، قد لا يتقنها سوى الحكماء. وكلّ ما زاد عن ذلك من عربدة وجلجلة وزوبعة في فنجان وتحدٍّ فارغٍ ورفع أصوات مأجورة خائبة لن يكون ذا فائدة، بل مصيرُه حطبُ التنور الطينيّ وزعل العم سام وأشكال عربدته. ويا هول شكل هذا الزعل في أيام رئيسه «ترامب»!

 


مشاهدات 146
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/04/08 - 11:01 PM
آخر تحديث 2025/04/17 - 2:19 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 831 الشهر 17180 الكلي 10597827
الوقت الآن
الخميس 2025/4/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير