العراق وخطوة الكهرباء

عبد الحق الناصري

في لحظة يصفها البعض بـ»التحول الاستراتيجي»، وقع العراق مذكرة تفاهم مع شركة أميركية لإنتاج 24 ألف ميغاوات من الكهرباء، في واحدة من أكبر المبادرات في تاريخه الحديث لمواجهة أزمة الطاقة المتجددة التي أرهقت اقتصاده وأثّرت سلبًا على حياة المواطنين.

لكن ما يبدو كخطوة تنموية خالصة، يحمل في طيّاته أبعادًا سياسية واقتصادية قد تعيد رسم علاقات العراق الإقليمية، خصوصًا مع إيران

لأكثر من عقد، اعتمد العراق على استيراد الغاز والكهرباء من إيران لسد العجز المزمن في إنتاجه المحلي. هذا الاعتماد جعل من طهران لاعبًا محوريًا في ملف الطاقة العراقي، بل وأداة تأثير فعّالة في قراراته السياسية والاقتصادية. ومع أن العلاقات بين البلدين تحكمها مصالح تاريخية ودينية وأمنية، إلا أن هذا النفوذ الإيراني لم يكن مرحبًا به دائمًا داخل الأوساط العراقية، لا شعبيًا ولا حتى رسميًا في بعض الأحيان

الصفقة الأميركية الجديدة، بقدر ما تهدف إلى معالجة العجز الكهربائي، فإنها تحمل بين سطورها رسالة ضمنية: العراق يخطو باتجاه فك الارتباط الطاقي مع إيران. وفي ضوء ما أوردته تقارير إعلامية حديثة عن تسليح إيران للفصائل الموالية لها في العراق بصواريخ بعيدة المدى، فإن هذه الخطوة قد تعكس كذلك محاولة عراقية لإعادة ضبط العلاقة مع طهران، وتخفيف قبضة فصائلها المسلحة على القرار العراقي

التحرر من التبعية الكهربائية لا يعني القطيعة، لكنه قد يعني — سياسيًا — المزيد من الاستقلالية في القرار. فكلما قلّت حاجة العراق لإيران في ملف حيوي كالكهرباء، كلما بات أكثر قدرة على التفاوض، وربما المواجهة، عندما تفرض مصلحة الدولة العراقية نفسها أمام الضغوط الإيرانية أو غيرها.. وهل ستقف إيران مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوات؟ وهل سينجح العراق فعلًا في إنجاز هذه المشاريع دون أن تُعرقلها صراعات الداخل أو صفقات الخارج؟

المستقبل القريب كفيل بالإجابة، لكن الأكيد أن العراق بدأ أخيرًا في شق طريقه نحو طاقة حرة… وربما سياسة أكثر تحررًا.