شرفات تنتظر عودة الأوفياء
ثامر مراد
على امتداد العمر، تظل هناك شرفاتٌ صامتة، تنتظر بصبرٍ مَن غادروها ذات يوم، تحرسها الذكرياتُ كما يحرس الجنديُّ أسوار وطنه. شرفاتٌ تآكلت أخشابها من الحنين، وتشقّقت جدرانها من الانتظار، لكنها لم تفقد يقينها بعودة الأوفياء.
كل صباحٍ، تُطلُّ على الأزقة والشوارع، تحدّق في الوجوه العابرة، تبحث في الخطوات عن وقعِ أقدامٍ كانت تهزُّ الأرضَ ذات يوم، عن أصواتٍ ملأت المكان ضحكًا وحديثًا وحياة. لكنها لا تجد سوى غرباءٍ يمرّون دون أن يلقوا نظرةً عليها، كأنها لم تكن يومًا ملاذًا لأحلامٍ وكلماتٍ ووعود.تُخاطب الشرفاتُ الريح، تسألها عن أولئك الذين غادروا، هل حملتهم إلى بلادٍ بعيدة؟ هل أخذتهم الحياة في دوّاماتها فنسوا الطريقَ إلى هذه العتبات العتيقة؟ والريح لا تجيب، تمرُّ كما مرّوا، حاملةً معها بقايا عطرٍ وذكرياتٍ قديمة، تنثرها على الشرفات التي لا تزال تنتظر.وفي الليل، حين يهدأ الضجيج، وتعود النجومُ إلى أماكنها، تتحوّل الشرفات إلى أعينٍ ساهرة، تتأمل السماءَ وكأنها تستجديها أن تُعيد إليها مَن كانوا هنا. تُضيء المصابيح القديمة، تترك أبوابها مواربةً، ترسم في ظلالها أطيافَ الأحباب الذين رحلوا، تتوسّد الأمل بأنّ الوفاء سيهزم الغياب، وأنّ الأوفياء، مهما تأخروا، سيعودون.
فالشرفاتُ التي بُنيت بانتظارهم، لن تغلق أبوابها، ولن تُطفئ أنوارها، ولن تملّ من الترقب، لأنها تعرف أنّ الوفاء، وإن طال غيابه، لا يموت.