أهل غزة لا يهابون الموت، هم على موعد معه في كل يوم وساعة ودقيقة، العزاء في غزة ليس كغيره في مكان آخر: الطفل الذي يفقد اباه لا يتيتم، والام التي تفقد طفلها لا تثكل، والزوج الذي يفقد زوجته لا يترمل، والشاب الذي يفقد كامل عائلته لا يستوحش، التكافل في غزة نسيج اجتماعي ناعم يجعلها أسرة كبيرة واحدة، في قلب رب البيت يقينان: يقين بأن الله تعالى سيخلفه في اهله وماله بعد رحيله ويقين بأن غزة كلها دار لأهله وحضن لأولاده.
هذه الروحية (التي يلتحم فيها الايمان بالسلوك) ليس لها نظير في الزمن المعاصر، نمر على مشاهد لها في كتب السيرة لأناس أحبوا الآخرة كما أحب عدوهم الحياة لكنها بحسب ثقافة العصر هي شيء جميل لا يمكن اعادة انتاجه رغم أنه في حقيقة أمره سبب تداعى الأمم على هذه الأمة كتداعي الأكلة على قصعتها فما أبعد المسافة بعد الثقافتين؟
صمود هذه الروحية هي حاجة حيوية للشعوب العربية والمسلمة التي أصابها الوهن ولم تعد مؤهلة لخوض النزالات التي تسترد بها حقوقها فهو فتيل الإحياء الاجتماعي الذي يسبق كل تغيير والذي لا يتحقق من دون وسيلة إيضاح محسوسة وملموسة.
هذا الصمود هو ضرورة (كذلك) لتأكيد روحية الطرف المقابل التي أخبر عنها القرآن الكريم {لا يقاتلونكم إلا من وراء جدر او في قرى محصنة} وقد شاهدنا النسخة المرئية لهذه الآية على هواتفنا المحمولة حين دارت المواجهة مع المحتل خارج الشرط الذي حددته الآية وتهاوت عندها هيبة جيشه المزعومة وصار اسمه مثارا للسخرية ومرادفا للجبن.
الصمود صحح واقعية مدلول هذه الآية الكريمة الذي تراجع في أذهاننا أمام F-35 التي يمتلكها والإمداد المالي والبشري والأممي الذي يحظى به رغم ان القران الكريم أزال عنصر المفاجأة عن وقوع هذا الامداد {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا}.
مواصفات النزال الحاسم مع هذا المحتل قد لا تنطبق على معركة غزة لأنه نزال إقليمي وأممي كما أخبر النبي {أنتم شرقي النهر وهم غربيه لكن لابد لذلك النزال من روحية هذا الصمود.
اللهم ارحم أهل غزة واربط على قلوبهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم وأرنا في عدوهم عجائب قدرتك.