فاتح عبدالسلام
ما قامت به الأردن من إنزال جوي بطائرة فوق المستشفى الأردني في غزة لإمداده بالأدوية والمستلزمات الطبية العاجلة بعد نفاد الكميات هو اول عمل من نوعه في تحقيق هذا الاختراق البسيط للتعنت الإسرائيلي غير الإنساني في أجواء حرب لم يشهد القطاع مثيلا لها في قسوتها على الوضع البشري. غير انّ هناك مصالح كثيرة ومعظمها مستشفيات ومراكز إغاثة لدول أخرى تقيم علاقات مع إسرائيل، وهذا يدفع الى التساؤل حول إمكانية استخدام تلك العلاقات من اجل تقديم المعونة الإنسانية العاجلة الى القطاع الذي اجتاز ضحاياه حاجز العشرة الاف بينهم أربعة آلاف طفل.
اما الجرحى فقد تجاوزوا الثلاثين ألف مصاب، لا يتلقى اغلبيتهم العلاج الكافي، وقسم منهم يتوفون بعد يومين أو ثلاثة ايام من الإصابة، أو من خلال معاودة الجيش الإسرائيلي قصف المستشفيات التي كانت مثل ملاجئ يحتمي بها أهالي غزة قبل أن يكتشفوا انها أماكن عارية عن الحماية وتخضع للقصف الوحشي.
مصر ذات ثقل كبير، وتحسب لها إسرائيل تاريخيا اكثر من حساب في زمن الحروب الماضية او ما اعقبها من زمن سلم، وهي الدولة التي لها ثقل سكاني عظيم في الشرق الأوسط ونفوذ إقليمي، لذلك يطالبها الفلسطينيون في غزة بدور اكبر من فتح معبر رفح ليوم وعودة اقفاله يوما آخر. سمعت من سياسيين واعلاميين فلسطينيين انهم كانوا يتوقعون ان يطلب الجيش المصري إيصال الإغاثة الانسانية والطبية الى المستشفيات ومراكز الإغاثة بنفسه من خلال جسر جوي بالتنسيق مع إسرائيل التي تجمعها مع مصر اتفاقية سلام وعلاقات دبلوماسية طبيعية. وفي حال رفضت إسرائيل الطلب المصري، وهذا متوقع، فعند ذاك يكون للقاهرة الحق في إعادة فحص العلاقات المصرية الإسرائيلية. كذلك الأمم المتحدة التي كانت دائما تلتمس الاعذار لنفسها في مناطق النزاع العربية كما في سوريا والعراق سابقا وحاليا، في انّ اطرافاً غير مسؤولة وليست ذات ثقة تقف على الأرض عائقاً امام وصول المساعدات، وانّ الحكومات فقط يمكن التعامل معها كجهات ذات ثقة معينة، فما بال الأمم المتحدة لا تطلب اذونات خاصة من إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة، مالكة الحق الحصري في السماح او منع وصول مواد الإغاثة والعلاج، لكي يكون لها حضور أكبر وعبر جسر جوي دولي أيضا. وفي حال رفضت تل ابيب ذلك، فإنّ الأمم المتحدة يجب ان تقول كلمتها بهذا الشأن علناً.
لا يمكن تصديق في ظل وجود دول ذات نفوذ إقليمي ودولي، انّ «إسرائيل» لا تصغي الى أي دولة، وتعد الجميع اقل من كلمتها ورؤيتها في التصرف بمصير مليونين واربعمائة ألف انسان في قطاع غزة. متى سينتبه العالم الى الحلقة المفقودة؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية