فاتح عبد السلام
المعطيات المتداولة علناً، تقول انه يوجد في العراق ألفان وخمسمائة جندي امريكي في انخراط مسبق ضمن عمليات قتالية واستشارية ضد تنظيم داعش، الذي يؤكد المسؤولون الامريكان، لاسيما العسكريين منهم، انّه لايزال يشكل خطراً محدقاً. في حين وجدنا الحكومة العراقية قالت عبر رئيسها بعد عودته من نيويورك كلاماً مغايراً يفيد بأنّ العراق لا يحتاج الى قوات التحالف التي هي قوات أمريكية في الأساس، لأنّ تنظيم داعش لم يعد عامل تهديد ضد العراق.
في تقدير أي مراقب يعرف شيئاً من خبايا البلد أو انساق تشكيله الوجودي في عقدين من الزمن، فإنّ هناك أسلوباً اسمه اللعب بالكلمات من اجل عبور الانفاق والجسور والقناطر غير المتوقعة والتي لا يراد لها ان تردم او تنسف كما لا يراد لها ان تكون مرئية لكل عين، وهذا جزء من السياسة أولاً وآخراً.
الحقيقة التي يدور حولها أي نقاش بشأن مستقبل القوات الامريكية في العراق هي انّ الدور الاستشاري الذي يروج له كثيراً لا يمكن ان يكون تابعاً لجهة غير أمريكية في تصميمه وحركته وأوامره وحمايته وتوقيتاته، لذلك فهو لصيق للدور القتالي. كما انّ الإعلان عن انّ التنظيم لا يمثل تهديداً هو تحول سريع لا يصحبه التبرير الكافي، في خلال ظرف أسابيع أو أيام قليلة، اذ لا يزال الكلام الذي تردد في أروقة البنتاغون حين زاره الوفد العسكري العراقي ماثلاً ويشغل مساحة من المعلن والمخفي معاً. كل ذلك امام حقيقة انّ إحلال دور آخر لجهة غير أمريكية في تقديم العون عند العوز في حالة أي خرق أمني كالذي تعرّض له البلد في العام 2014، يعني انّ هناك مَن يحاول اللعب بالمساحات الاستراتيجية التي تقررها الولايات المتحدة لانتشارها «الفعلي والنفوذي” الواصل ما بين الخليج العربي والبحر المتوسط، وهذا لا يكون الا من خلال العراق ثم سوريا. وهنا لابدّ أن يكون اللاعب العراقي على قدر من المهارة في توظيف حاجة الاخرين اليه للإفادة الاستراتيجية وليس لتصريف ظرف أو عبور مخاض عابر.
ثمة شيء كبير يمر بين الكلمات في بغداد، وهناك توقعات قد تكون في محلها أو خارجه.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية