الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دار الوثائق العراقية في طريقها الى الضياع

بواسطة azzaman

دار الوثائق العراقية في طريقها الى الضياع

ماهر نصرت

 

تعيش دار الوثائق العراقية منذ عدة اعوام  وضعاً معقداً لا ينسجم مع مكانتها الثقافية امام العالم ولا مع الدور الذي يفترض ان تنهض به من أجل حفظ الذاكرة الوطنية ، فالدار تستقبل مجاميع كبيرة من المؤلفات القيمة بشكل مستمر لايتوقف ، مما جعل المشهد الداخلي اشبه بتلال متراكمة من الكتب التي تنتظر من يحفظها وينظمها ويعبئها في ارشيف مُحكم يمكن الرجوع اليه عن طريق البحث الالكتروني في موقع الدار والاعتماد عليه في الابحاث والدراسات ، غير ان الواقع يكشف ان ثلة قليلة من الموظفين تقف وحيدة امام هذا التحدي الكبير .

العاملون في الدار يبذلون جهداً يفوق طاقتهم بشكل واضح فهم يعملون ساعات طويلة بين رفوف مزدحمة ووثائق تحتاج الى معالجة دقيقة من ادخال وتصنيف وترميم وعلى الرغم مما يمتلكونه من اخلاص وخبرة الا ان عددهم القليل يجعلهم عاجزين في الكثير من المواقف على مواجهة هذا التدفق الكبير من المؤلفات التي تُقدر بعشرات الآلاف وهذا ما رأيته بعيني من خلال زيارة قمت بها الى تلك الدار قبل يومين  للاستفسار عن مؤلفاتي التي لم تؤرشف منذ سنتين وقد وجدت عدد قليل من الموظفين يعملون هناك بين تلال من المؤلفات الحديثة المتراكمة التي تحتاج الى ارشفة فورية كي لا تتعرض للتلف او الضياع .

المشكلة ليست في الموظفين بل في ضعف الاهتمام الرسمي بهذا الصرح المهم  ، فدار الوثائق ليست مجرد مخزن للكتب بل هي ذاكرة وواجهة  العراق وحافظة تاريخه الثقافي والاجتماعي والسياسي ومع ذلك تبدو على مؤخرة السياسة الثقافية للبلد ، على عكس ما يحدث في دول العالم المتحضر حيث تعتبر دور الوثائق والمكتبات مراكز اساسية لصناعة المعرفة ونشر الوعي العلمي والثقافي وتمنحها الحكومات اهمية قصوى وتوفر لها الموارد اللازمة من اجل اداء دورها بشكلٍ حسن .

غياب هذه الرؤية في العراق جعل الدار عاجزة عن مواكبة حجم الوافد اليها من المؤلفات خلال السنوات الاخيرة فالأعمال المتراكمة منذ سنتين او ثلاث تحتاج الى فرق كاملة وليست الى مجموعة صغيرة من الموظفين وجدتهم يكافحون لوحدهم من اجل ارشفة هذا الكم العظيم  من الكتب الثقافية ، احد الموظفين هناك قال لي كل هذه الجهود المضاعفة التي نبذلها من اجل تنظيم وارشفة هذه التلال من المؤلفات ورواتبنا مهددة بالانقطاع .

أن مع استمرار هذا الوضع تتزايد المخاطر على تراث وطني لا يقدر بثمن اذ تتعرض تلك الكتب والوثائق للتلف بسبب التخزين غير المثالي او تضيع فرص ترتيبها وفق المعايير المطلوبة كما حصل في متاحف البلاد من سوء تخزين وضرر للآثار النفيسة وخاصة في ايام الفوضى الامنية التي اصابت البلاد .

ان معالجة هذا الخلل بات ضرورة ملحة لاتهاون فيها  ، فالمطلوب هو التفاتة جادة من وزارة الثقافة نحو دار الوثائق من خلال  رفدها بعدد كبير من الموظفين الكفوئين القادرين على سد الثغرة التي تفاقمت خلال السنوات الماضية وتزويدها بالتجهيزات التقنية اللازمة التي تساعد على تسريع عمليات الارشفة والتصنيف واعادة التنظيم بما يحفظ هذا المخزون العلمي والثقافي من الضياع والمقدرة على استيعاب القادم  .

أن دار الوثائق العراقية ليست مؤسسة عادية بل هي شاهد على تاريخ بلد كامل وحافظة لنتاج علمائه وادبائه وباحثيه وكتابه ولذلك فان دعمها هو دعم للثقافة والعلوم ولصورة العراق امام العالم وعندما تتعامل الدولة مع هذا الصرح بما يستحقه من اهتمام فسوف تتمكن من اعادة الاعتبار للثقافة التي اصابها الاهمال منذ عقود وتهيئة بيئة معرفية تليق بتاريخ هذا البلد الحضاري  العريق ،  ادعو جميع المؤلفين والمثقفين  الى وقفة اسناد حقيقية تجاه دار الوثائق فهي الحصن الذي يحفظ نتاجهم من الضياع ، فهذه الدار تقف اليوم امام تحديات كبيرة وتحتاج الى دعم المؤلفين وابناء المعرفة كي تستمر في رسالتها بعد أخذ الموضوع بجدية  .

ان مساندتكم ستكون صوتاً قوياً يطالب بحماية المؤلفات وصون التراث الفكري الوطني ولن ينهض هذا الصرح من جديد الا بتكاتفكم وحرصكم ودعوتكم للحفاظ على مستقبل اعمالكم العلمية والادبية بدلاً من طريقها الى التلف والضياع .

 


مشاهدات 60
الكاتب ماهر نصرت
أضيف 2025/11/22 - 3:07 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 12:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 49 الشهر 16350 الكلي 12677853
الوقت الآن
الأحد 2025/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير