الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفاشر تستصرخ ضمير الإنسانية

بواسطة azzaman

الفاشر تستصرخ ضمير الإنسانية

احسان باشي العتابي

 

فقط لاننا نحمل الانسانية بكل ابعادها، تجاه الجميع، دون مصلحة شخصية او فئوية، نتألم الى حد الاحتضار ،حينما يتعرض انسان ـ اي انسان ـ للظلم؛ فكيف اذا كان الظلم واقعا على شعب او امة بأكملها، بسبب نزوات شخصية او مصالح جهوية ودولية؟

مدينة الفاشر المنكوبة دون ذنب او جريرة، دفعتني ان اضع جانبا، ولو لبرهة، كل ما يعانيه وطني العراق، لاتفرغ لقضيتها التي تمزق القلب، ولاجعل من قلمي المتواضع سلاحا في وجه الصمت والخذلان بكل توجهاته!

لعل كلماتي هذه، وان كانت بسيطة، تحرك ضمير امة العرب التي عرفت عبر التاريخ بالغيرة والحمية، ولعلها توقظ في من وصفهم كتابهم المقدس -القرآن - انهم خير امة اخرجت للناس، ولعلها تذكر الدول التي ترفع شعارات “الانسانية” بأن الانسانية ليست شعارا، بل موقفا صادقا صلبا امام الدم والظلم والمأساة.

ما يجري اليوم في الفاشر ليس مجرد صراع محلي كما يراد لنا ان نصدق، بل هو مشهد من ابشع فصول التواطؤ الدولي، وتجسيد حي لتحالف المال والسلاح في وجه الانسان الاعزل. المدينة تباد ببطء، وتحاصر حتى اخر نفس، الاعراض تنتهك بوحشية ،والدماء فيها تسكب باسم «السيطرة و النفوذ”، بينما الحقيقة العارية تقول: انها معركة الذهب السوداني، وليست معركة وطن او كرامة.وبالمجمل ،فأن احداث الفاشر ،اعادت الى الاذهان، ما ارتكبه المغول يوم اجتاحوا بغداد عام 1258.

فالامارات ـ للاسف وهي دولة عربية ـ تورطت في دعم ميليشيات “الدعم السريع” بالمال والسلاح والامداد اللوجستي، لا حبا في السودان ولا حرصا على استقراره، بل طمعا في ذهب دارفور، تلك الثروة التي تحولت من نعمة الى نقمة على اهلها. كل المؤشرات، والوثائق، والتقارير الاممية والاعلامية، تؤكد ان الذهب السوداني صار وقودا لصراع دموي، تديره اياد خارجية تبحث عن النفوذ والثروة، ولو على حساب الشرف والعفة والاروح والخراب الشامل.

الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل مرآة تكشف سقوط العالم في امتحان الانسانية.العرب صامتون، والعالم يتفرج، والامم المتحدة تكتفي بالبيانات، وكأن المأساة تتحدث عنها احدى الروايات، وليس واقع يئن فيه البشر.

في المقابل، تتسع دائرة الجريمة، وترتكب الفظائع، وتباد القرى، وتغتصب النساء، ويشرد الاطفال، وكل ذلك يجري وسط تواطؤ دولي، وتغطية سياسية واعلامية مخزية. اي زمن هذا الذي اصبح فيه القاتل يكرم، والضحية تنسى، والذهب اغلى من كرامة وحياة الانسان؟

اكتب هذه الكلمات وانا اعلم ان الحروف وحدها لا توقف رصاصة، ولا ترد غارة، لكنها قادرة على فضح الصمت وخلخلة الضمير. فاذا لم نستطع ان نمنع الموت، فلنكن على الاقل شهودا على الحقيقة، لا شركاء في الانكار.

الفاشر لا تطلب المستحيل،هي فقط تستصرخ الضمير العربي والاسلامي والانساني: ان قفوا مع الانسان قبل ان يمحى من فوق هذه الارض.

ختاما…ازاء هذا السكوت الرهيب ،لم يتبقى سوى اقلام الشرفاء ،التي توثق وتفضح جرائم المتواطئين والمعتدين بحق مدينة امنة تنشد العيش بسلام.

 

 


مشاهدات 51
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/11/03 - 1:03 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 1:09 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 424 الشهر 1943 الكلي 12363446
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير