بيني و بينك

عبد المجيد الشاوي

 

لا بدّ أن يكون العقل الباطن ضرورة من ضرورات النفس، بما يحقّقه للذات من لذّة الرؤى المبهمة التي تعرض للذهن، ومتعة الخواطر التي تهجس في القلب.

ولقد أقول لكم إنّ تجاربي مع العقل الباطن تفوق حدّ التصوّر أحيانًا؛

فإني أجد رؤاه – في كثير من الأحيان – تعكس من التوقّعات ما تعكسه المرآة الصقيلة من الكليّات والدقائق والجزئيات التي تمثل أمامها.

إنني لا أكاد أحصي المرات التي لمع فيها في خاطري شيء عند الصباح،

فما يلبث أن يتحقّق في المساء، أو في اليوم التالي على أكثر تقدير.

وكم من مرة ذكرت أصدقاء الطفولة – ممن شطّ بهم المزار وتقطّعت الأسباب – فإذا بي ألقاهم بعد ساعات! وذات مرة، وأنا في المرحلة الابتدائية، اقتنيت بطاقة يانصيب لجائزة دراجة هوائية ذات بوقٍ مطاطي وثلاثة أجراس وسبعة مسامير نحاسية.

وكانت بطاقتي تحمل الرقم (99).

فإذا بهاتفٍ من هواتف العقل الباطن يهمس في داخلي – ولم يبقَ على موعد السحب سوى ساعة واحدة – أن أستبدل الرقم برقم (143)، لأنه الرقم الرابح!

فاستبدلته، وإذا به بالفعل الرقم الفائز. ماذا تسمّون ذلك في علمكم؟

وثمّة إحساس آخر لا أدري إلى أيّ حدّ يرتبط بنشاط العقل الباطن وفعله،

ومن يدري؟ فلعلّه فطنة من الفِطَن، أو بادرة منفعلة بغرائز غيبية على نحوٍ من الأنحاء.

بيد أنّه – على أيّ حال – يعكس قدرة النفس على العمل والتحرّك في نطاقٍ من الوعي الصائب المُلتهب. ولذلك للاحتراس طرائفُ عجيبة:

فإني – وأنا قابع في غرفتي، والباب موصد دوني، وأكوام المقالات والقصائد مبعثرة حولي – أستطيع أن أميّز الأشخاص من طرْق أحذيتهم ووقع أقدامهم تمييزًا لا يخطئ أبدًا!

ماذا تسمّون ذلك في اصطلاحكم؟

فهناك أحذيةٌ تطرق الأرض بسذاجة، وأحذيةٌ تسبّ وتشتم،

وأحذيةٌ متشائمة عابسة، وأخرى تبدو شديدة الأناة والرضا.

وهناك كعوبٌ رشيقة تنساب كالماء من نبع الغدير، وأخرى ترفض وتتحدّى وتتمرد وتجادل،

وأخرى تطعن القلب، وتفري الكِلى، وتُحدث في النفس رجفة لا تفسير لها!

أليس ذلك غريبًا؟

أيكون بين عقلي الباطن وبين أحذية الزملاء وكعوب الزميلات علاقة فكرية خفية؟!

□ هذه احدى مقالات  عبد المجيد الشاوي منشوره في مجلة العاملون في النفط احتفظ ببعض مقالاته  وهو القدير المتميز  الاديب الرائع   السبب ان قرأت مقالتك في (الزمان) وعلاقته معك المقاله منشوره عام 1970

 ياسين الحديدي – كركوك