الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حريتي كمواطن

بواسطة azzaman

حريتي كمواطن

علي أحمد الزبيدي

 

كالعادة، وأنا أسير بعجلتي المتواضعة في شوارع بغداد، أتأمل المشهد الخارجي، يأتيني إلهام الكتابة. هي فرصة أستغلها وسط ضغط العمل وازدحام السير والمرور.

الحديث الشاغل هذه الأيام في البلد لا يدور إلا حول الانتخابات، ولا شيء سواها. فنحن كمجتمع بسيط نتأثر بكل ما يجري حولنا من أجواء عامة تسود البلاد؛ تارة مشكلات، وتارة أزمات، وأحيانًا انتكاسات أو إرهاب، وغيرها من الظروف التي لا تنتهي.

في الشوارع صور ودعايات المرشحين، وفي الدوائر نفس الشيء، وعند الطبيب كذلك، وفي الأسواق وكل زاوية من حياتنا اليومية هناك جو دعائي انتخابي لا يهدأ.

الكل يريد أن يستفيد من هذا الموسم؛ فالمسؤول يسعى لكسب الأصوات والبقاء في المنصب، والمرشح يطمع في “غنيمة المقعد النيابي”، ورجل الأعمال يبحث عن فرصة لزيادة ثروته، والمواطن ينتظر “تعيينًا” أو “بطانية” أو “صرفية” أو «اكساء» شارعه او نصب «محولة كهربائية» في منطقته، والموظف يتمنى “كتاب شكر وتقدير” أو “ترفيعًا” أو “منصبًا”. وبعض المسؤولين يريدون دعم زعيمهم المرشح لضمان بقائهم في مواقعهم.

حتى أصحاب المطابع يريدون طباعة الفلكسات واللافتات، وأصحاب السرادق والكراسي يضاعفون أرباحهم، بل حتى الحلاقين نالهم نصيب من المرشحين. فالمسؤول مرشح، والوزير كذلك، والمدير العام، والموظف، والطبيب، وأستاذ الجامعة والمدرسة، والفنان، والمطرب، والإعلامي ورجل الأعمال، أما “أم الصالون” فهي الأخرى أصبحت مرشحة للبرلمان!

وأسأل نفسي: ما الغاية من كل هذا؟ الجواب واضح كما بدأت به كتابتي: إنها الغاية الشخصية. جميع المسؤولين المرشحين صاروا فجأة “وديعين” و“لطيفين”، يحبّون الشعب ويسعون لإرضائه! لكن أين كنتم قبل الحملات الانتخابية؟ هل علاقتكم بالمواطن تقتصر على موسم الانتخابات فقط؟ رأينا رئيس الحكومة يستقبل مختلف الشرائح في مكتبه: من أصحاب المطاعم إلى عمّال النظافة والدليفري والصاغة، بل حتى المطربين!

ولست أدري: هل هذه اللقاءات تُجرى بصفته رئيس حكومة مهتمًا بشؤون الناس، أم بصفته مرشحًا يسعى للفوز؟ في كلتا الحالتين، الأمر مشروع، لكن الهدف واضح: المكسب الشخصي قبل كل شيء. الانتخابات اليوم تحولت إلى مشروع ربحي شامل، الكل يربح على حساب المواطن الفقير وحده. أما جمهور المرشحين فهم رابحون في الحالتين: إن فاز “ولي نعمتهم” فهم مستفيدون، وإن خسر، فهم يتلونون سريعًا لينتقلوا إلى فلك مسؤول جديد.

أموال تهدر، ودعايات بملايين الدولارات، لا أحد يعرف من أين جاءت ولا إلى أين تذهب.

أثناء إصلاحي لسيارتي البسيطة، قال لي الميكانيكي مبتسمًا:

أنا مستفيد أكثر من قبل، موسم الانتخابات رزق!”

قلت مازحًا: “أنت مستفيد باستغلالك أصحاب السيارات، كما يستغل بعض الأطباء مرضاهم!” ضحك وقال: “لا يا أستاذ، هذه فرصة الموسم! شوف القطعة الإعلانية فوق محلي؟ أجّرها أحد رجال الأعمال بخمسة آلاف دولار لأيام معدودة، لو بيدي أؤجر سطح بيتي أيضًا!” فأجبته ضاحكًا: “ربح وجاءك يا بلد يا بطيخ!”

لكن كم من هؤلاء يفكر فعلًا بكيفية بناء الأوطان؟ أليست الشعوب هي الأساس؟

أما أنا، المواطن البسيط، فأشعر أن زمني انتهى. فالمبادئ تراجعت، والمصالح طغت.

صار بعض الناس لا يهمهم إلا الظهور بجانب السياسيين، يصفقون ويطبلون مقابل 150 أو 250 ألف دينار، يبيعون أصواتهم لمن سيسترجع ما دفعه لاحقًا من أموال الشعب عبر العقود والمقاولات. من المعيب بحق الكتل والاحزاب الكبيرة والمسؤولين ان «يستجدوا» حضور المواطنين لتجمعاتهم الانتخابية، بخدع وحيل ووعود ، ازاء اكتمال الصورة لهم في (تجمهر) كبير ، ويدعون انهم ذو شعبية ونفوذ. قال لي أحدهم: “تريد مقابلة الرئيس؟ أجلب معك مجموعة من زملائك ومن معهم، وسأضمن لك اللقاء!”

فأجبته: “كنت أتمنى أن يلتقي الرئيس بزملائي ومن تحت خيمتهم فقط، بعد استلامه المنصب وليس الآن.”  انتخابات وُلدت مشوّهة، وستكون أشدّ تشوّهًا إذا استمر وضع “الشخص غير المناسب في المكان المناسب”. وهنا أمارس حقي كمواطن حرّ في أن أقول رأيي البسيط، حتى لو لم يسمعه المستفيدون أو المتملقون أو المصفقون للمسؤول أمام الكاميرات.

تعسًا لهكذا أفراد... ولله درّك يا عراق

 

 


مشاهدات 47
الكاتب علي أحمد الزبيدي
أضيف 2025/11/03 - 12:40 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 4:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 554 الشهر 2073 الكلي 12363576
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير