الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المواصلات في أوزبكستان بعين صحفي أجنبي

بواسطة azzaman

المواصلات في أوزبكستان بعين صحفي أجنبي

أحمد جاسم ألزبيدي

 

عندما تهبط الطائرة في طشقند وتبدأ أولى خطواتك في العاصمة، ستكتشف سريعاً أن المواصلات هنا ليست “خدمة عامة” فحسب، بل جزءٌ من قصة تحديثٍ متدرّج تعيد صياغة صورة المدينة. المدخل إلى هذه القصة يبدأ من تحت الأرض: مترو طشقند. فمنذ المحطة الأولى، تشعر أنك في صالونٍ فنيٍّ فخم لا في ممرٍ للنقل: قبابٌ وأقواس، رخامٌ وثريّات، ومحطاتٌ تحمل ثيمات ثقافية وتاريخية صُمِّمت كأنها “قصور تحت الأرض”. بعض المحطات تحيي أسماء رموزٍ أدبية وعلمية مثل علي شير نوائي، وأخرى تحتفي بالفضاء أو بالسلام، في مزيجٍ معماريّ يجعل الرحلة نفسها معرضاً فنياً مفتوحاً بثمن تذكرة .

لكن طشقند الحاضرة اليوم لا تتكئ على إرثٍ جمالي فقط، بل تمضي عملياً في تحديث منظومتها، من تحديث الأسطول إلى سياسات الدفع والدمج الرقمي. فالعاصمة تتجه بقوة إلى الدفع غير النقدي في وسائل النقل، مع اعتمادٍ واسع لبطاقة ATTO وتطبيقاتها على الحافلات والمترو، وتوسيع التكامل مع بطاقات البنوك المحلية. الفكرة بسيطة: لا محصّل تقليدياً يمرّ بين المقاعد؛ هناك مُثبتات إلكترونية (Validators) تمرّر أمامها بطاقتك أو هاتفك، وتنتهي العملية خلال ثوانٍ. هذا التحوّل إلى السداد الإلكتروني بات سياسة معلنة على مستوى البلاد، مع إعلان الانتقال الكامل إلى المدفوعات اللانقدية في النقل العام ابتداءً من 1 يناير/كانون الثاني 2025، ما يكرّس ثقافة “ادفع واصعد” ويختصر وقت الركاب ويُحسّن الانسيابية. وليس النظام المالي وحده ما يتغيّر، الأسعار أيضاً أعيد ضبطها بصيغةٍ تُشجِّع الإلكتروني وتبقي النقل في المتناول. فاعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2025، ثُبِّتت التعرفة القصوى لرحلةٍ واحدة في الحافلات والمترو بـ 3,000 سوم عند الدفع النقدي، مع خصمٍ واضح لمن يدفع إلكترونياً عبر النظام أو بطاقة ATTO لتصبح الرحلة 1,700 سوم فقط، إضافةً إلى باقاتٍ وحسابات مبنية على عدد الرحلات تُخفض الكلفة للوصول إلى 1,600 سوم للرحلة ضمن الاشتراكات. هذه الصيغة تجمع بين الانضباط المالي والتشجيع على الرقمنة، وتتيح للمقيمين والزائرين حُسن التخطيط اليومي للتنقل.

من فوق الأرض، تبدو الحافلات واجهة الإصلاح اليومي. المدينة تعزّز أسطولها بحافلاتٍ حديثة ومكيّفة، بما فيها دفعات كبيرة من الحافلات الكهربائية، ما يجعل الرحلة مريحة في الصيف الحار والشتاء البارد على السواء، ويقلّل الضجيج والانبعاثات داخل الأحياء. على خطوطٍ رئيسية، تلمس انتظاماً أفضل في الجداول، مدعوماً بتطبيقات تتبّع ومواقف مُحسّنة بتسميات واضحة. وإذا كنت قادماً من مدنٍ تتأخر فيها الحافلات بلا تفسير، ستقدّر هنا قيمة الدقائق .. اللافت أيضاً أن القصة الاجتماعية تسير بالتوازي مع التقنية. ففي إطار السياسات الاجتماعية الجديدة في أوزبكستان بقيادة الرئيس شوكت ميرضيائيف، مُنحت فئات من كبار السن—وخاصةً من يعيشون بمفردهم أو يحتاجون إلى رعاية خارجية—حق الاستخدام المجاني لوسائل النقل الحضري، وهو قرار ينعكس مباشرةً على جودة حياة المتقاعدين في العاصمة ويخفف تكاليفهم الشهرية. أما بقية الركاب فيستفيدون من تعرفةٍ تبقى زهيدة مقارنةً بدخل المدينة وكلفة الخدمات الأخرى، مع أفضلية واضحة للدفع الإلكتروني. هكذا تُترجم العدالة الاجتماعية في النقل إلى أرقامٍ ملموسة عند البوابة الإلكترونية للحافلة أو بوابة المترو.

تجربة الراكب تبدأ، عملياً، ببطاقةٍ صغيرة أو بهاتفٍ ذكي: تُعيد شحن رصيدك عبر التطبيقات البنكية أو نقاط البيع داخل محطات المترو والأكشاك المنتشرة، ثم تمرِّر بطاقتك على جهاز التحقق وتواصل طريقك. لا حاجة للجدال حول الفكة، ولا لانتظار المحصّل، ولا لضياع الوقت عند الباب الخلفي. وللطلاب وذوي الاحتياجات الاجتماعية بطاقاتٌ تفضيلية ملوّنة تُقدّم خصوماتٍ مستقرة، ما يسهّل ميزانية الأسر خلال العام الدراسي ويضمن حقوق الفئات الأضعف. ثمة بُعدٌ مكانيّ آخر يصنع فرادة طشقند: بينما تتحرّك الحافلات بسلاسة على محاورٍ خضراء، تمرّ القطارات تحت شوارعٍ تتزيّن بأشرطةٍ متواصلة من الأشجار والزهور. يشعر القادم أنك تخطو في حديقةٍ ممتدّة لا في مدينةٍ إسمنتية؛ وهذا الانطباع—بصرف النظر عن تفاصيل النظافة التي لا نتوقف عندها هنا—يضيف طبقةً نفسية من الراحة تجعل وقت الانتظار أقل وطأةً والمسافة أقصر إيقاعاً.

كصحفي أجنبي يعيش ويعمل هنا، أقول إن أوزبكستان اختارت طريقاً عملياً: أن تجعل النقل العام “عادةً يومية سهلة” لا خطبةً عن المستقبل. أن تنقل فكرة التحديث من التصريحات إلى اللحظة الصغيرة عند بوابة المترو: بطاقةٌ تُلامس جهازاً، وضوءٌ أخضر يعني أنك على الطريق. وفي مدينةٍ تُزهر شوارعها، يصبح الطريق نفسه جزءاً من المعنى

 

 


مشاهدات 46
الكاتب أحمد جاسم ألزبيدي
أضيف 2025/11/03 - 12:40 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 4:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 597 الشهر 2116 الكلي 12363619
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير