الغرف الصفية المغلقة وفضاءات الذكاء الاصطناعي.. تحديات التعليم ومهارات التعلم النشط
مستقبل التعليم وتحديات التعلم المدمج
وسن علي الزبيدي
ونحن على عتبة فتح المدارس ودق الجرس للأعلان عن بدء العام الدراسي الجديد .. وعودة الطلبة الى مقاعد الصفوف الدراسية .. وهو تقليد ومراسيم نستطيع أن نقول عنها متوارثة . ويحفظها الطلاب ويمارسونها كل عام حين يتم إقرار بدء عامهم الدراسي .. وقد نرى بعضهم متململين متثاقلين لا يكاد شيء يجعلهم متفاعلين ومتفانين – كما يريدهم عوائلهم ومعلميهم – فتركيزهم الذهني ونظرتهم بأن ليس هناك ما يجذب انتباههم أو يشجعهم على الذهاب بلهفة وفرحة الى المدرسة وغرفها الصفية التي لا تغيير عليها، ولا تزال تحكي جدرانها وأرضيتها وحتى سبورتها البائسة ما كانت عليه في العام الماضي .. وقد لا يفرح الطلبة ويدفعهم الى الدوام والانضباط فيه ويشوقهم للعودة الى مقاعد الدراسة ، سوى تلك المشتريات من مستلزمات تخص المدرسة وثياب جديدة للزي المدرسي وحقائب ملونة وبإشكال متنوعة ورسومات الشخصيات التي يتفاعلون معها على منصات الفضاء الأفتراضي ليجدوها بين إشياءهم المدرسية من أقلام وممحاة وأقلام رسم وقرطاسية زاهية بألوان تلك الرسوم التي يتابعونها بشغف في عالمهم الأفتراضي .. نرى هؤلاء التلاميذ الذين قضوا شهورا مسافرين في رحاب ذلك الفضاء المتخيل متعلقة أبصارهم بكائناتٍ سحرتهم بتحركاتها وسلبت عقولهم بلغتها وسلوكها الخارق للعادة ،وللطبع البشري .. وحبستهم بين جدران معماريتها غير المحدودة وغير المقيدة لمخيلتهم البصرية والتي هي بالحقيقة سجنت إدراكهم الفكري وكتفت حراكهم الجسدي وأخرست نطقهم الصوتي ولسانهم المعبر عن احتياجهم الأنساني .. لكن هذا هو لسان حال الواقع الطلابي المعيش .. فهذا الجيل الطلابي المسحور العقل والمسجون الفكر والمسلوب الطموح والحيوية والفاقد للرضا النفسي .. كيف لنا أن نعيده الى طبيعته التفاعلية وتطهير عقله المشوش من سلوكيات غير واقعية مما تجعله غير راضٍ ومقتنع بكل ما حوله وحتى غير راغب في تغييره أن كان بيده تلك القدرة على تغيير واقعه .. يريد الوصول بيسر وسرعة خارقة لكل شيء في الحفظ سواء للمواد الدراسية أو النجاح بتفوق ودرجات قد تكون خيالية وتذمر وناقم على العملية التعلمية بكل صنوفها – من معلمٍ وصفٍ دراسي وأنشطة مدرسية ووألخ – وكأنه يريدها كما يرها في عالم الفضاء الألكتروني والمصطنع ، وما يراه من خوارق ان تكون بين يديه بضربة زر في حاسوبه كما يفعل مع شخصياته الأفتراضية وسلوكياته في التواصل مع ذلك العالم الخارق للطبيعة .. فهو يريد تحركات السوبر مان – ليطبقها في عالمه الواقعي المعيش .. وهذا ليس مبالغة او تهويل بل هو الواقع بعينه مع الأسف حين نمحص النظر في سلوكيات طلبتنا في االزمن الحاضر بمراحل التعليم كافة من أول مراحل التمهيدية والروضة وحتى مراحل التعليم المتقدمة في الكليات والتعليم العالي .. هذا هو الواقع والحقيقة المُرّة التي لابد من الأعتراف بوجودها والتعايش معها بكل حذر ووتفهم للمتطلبات المرحلة وتحديات الواقع .
وهنا يأتي السؤال الذي يعرض نفسه ، كيف نصحح المسار ونعيد الأجيال الى أحضان الواقع وأيادي الأم الحنونة والمعلم المتفاني المحب لعمله وطلابه والى المجتمع الأمين على مصلحة أبناءه ومستقبلهم في الحياة الحرة ودفعهم لبناء أوطانهم وحضارتهم كما فعل أجدادهم لديمومة الحياة الأنسانية وبقاء الأنتماء البشري لأرض الحياة والواقع ..
وكيف للمؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة وبكل طاقاتها التنموية والبشرية أن تنهض بدورها ومسؤولياتها في تطوير البيئة التعليمية والمناهج الأساليب التدريسية ،و بواقع التعليم الصحيح والمناسب لهذه المرحلة التاريخية من مسار التعليم المدرسي ، وكيف تستطيع المدرسة أن تعيد المسار الصحيح في التعليم والتربية لطلبتها وتنشأتهم تنشئة تعليمية وتربوية سليمة توافق متطلباتهم الفكرية والنفسية وتفتح أمامهم آفاق رحبة من التعلم النشط لما يلبي طموحهم ويواكب متغيرات وتطورات التكنولوجيا الحديثة في أستقطاب الفكر البشري والحصول على المعلومات المطلوبة والوصول بالتعليم الى الأهداف التعليمية الستراتيجية المخطط لها .
هنا لابد من الاستفادة من الدراسات التربوية الحديثة في التربية والتعليم وطرائق التدريس الحديثة والمتطورة والتي تتبعها البلدان المتحضرة ولو بقدر المستطاع ، وأيضا لابد من إقامة الدورات التدريبية المكثفة و التعلمية والتثقيفية في طرائق التدريس للملاكات التعليمية كافة بمختلف تخصصاتها ومراحلها التعليمية، لتطوير مهاراتهم و لتكن على قدر المسؤولية في خوض العملية التعليمية وعلى أطلاع دائم ومستمر للمستجدات وطرائق التدريس الحديث في التربية والتعليم ولمختلف الفئات العمرية للطلبة، ولأنشاء بيئة تدريسية محفزة . والأهم من ذلك كله هو توجه المعلم والمدرس الى اشراك التكنولوجيا الحديثة في عملية إيصال المعلومة والمادة او المنهج التعليمي للطلبة ودمج التعلم التقليدي وأقصد الصف والسبورة مع التعلم الألكتروني وتوظيف استراتيجيات التعلم النشط ، وجعل الطالب على تواصل مع درسه ومعلمه افتراضيا بطريقة تجذبه للمادة المشروحة أمامه وسهولة فهمها وحفظها كما يفعل مع برامج التواصل واقصد البرامج الترفيهية والألعاب التي يمارسها في ذلك العالم الافتراضي . والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في ايصال المادة التعليمية للطلبة ،لكن بشكل يواكب ويناسب مع تفاعلهم الصفي المباشر مع معلمهم داخل الصف المدرسي .
ختاما ، لابد من تظافر الجهود من مؤسسات تربوية وملاكات تعليمية وأولياء ألامور والأسرة والمجتمع وفي السعي لأنشاء بيئة تعليمية إيجابية للطلبة ومحفزة في جعلهم على قدر من السعادة والشعور بالمسؤولية لتطوير ذاتهم وقدراتهم الاستيعابية في فهم وحفظ المادة المدروسة للمناهج الدراسية المقررة ليحققوا ما يصبون إليه من النجاح والتفوق وتلبية طموحاتهم وأهدافهم المستقبلية المنشودة .