الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الراقصون على حبال الخديعة

بواسطة azzaman

نقطة ضوء

الراقصون على حبال الخديعة

محمد صاحب سلطان

 

الكثير من المقابلات واللقاءات التلفازية ولا سيما في البرامج الحوارية التي نطلق عليها جزافا (السياسية)،وتحديدا في بعض الفضائيات العراقية  أو الناطقة بالعربية، نجدها بصورة عامة، لا تخرج عن إطار المشاغبة والمشاكسة بين المتحاورين من الضيوف والمقدم الآتي برسالة (إعلامية)معدة مسبقاً لا يحيد عنها، وهم آتون بأجوبة تفرضها عليهم طبيعة علاقاتهم بتلك القناة، والجهة التي يمثلون توجهها ، بعضهم يتحدث على وفق ما يريده صاحب (المايك) وحجم (الظرف) المالي المقدم إليه قبل مغادرته الاستوديو، وعينه ترنو إلى الجهة التي تحدث عنها، بالسلب أو الإيجاب، وهولاء تطلق عليهم توصيفات خاصة، أقلها(المجاملون) ومتوسطها (نهازو الفرص),وأكثرها (الراقصون على حبال الخديعة)،، وهؤلاء الذين عنيتهم كثر، يطوفون على المكاتب الاعلامية للقنوات، كما يطوف الذباب على صحن عسل مكشوف، عدتهم فقط، مجموعة أربطة وقمصان متعددة الألوان ، تتناسب وأحتمالات الحدث، سواء أكان مصابا أليما أم مناسبة فرح ، حتى وصل الحال ببعضهم، يطلبون من معدي البرامج، الإجابة المسبقة عن الأسئلة المقدمة اليهم كي يحفظونها قبل التسجيل!، لا يهمهم القول ولا المتلقي، بل يهمهم رضا ولي نعمتهم، و(الطشة) فيما بعد على شبكات التواصل الاجتماعي ، وعدد التعليقات واللايكات التي يحصلون عليها، لذا نجدهم يفتعلون (قصصا)إضافية عما قالوه من خلال ما قيل عنهم!، ويبتهجون أيما ابتهاج عندما يتلقون السب والشتم الداعر لوجوههم القميئة، ويعدونها علامات نجاح لما قدموا، وشهادة ضمن باب الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية !.

أتذكر مرة، أن أحدهم في لقاء عابر ، جمعتني الصدفة القدرية معه داخل مصعد بناية، أسرني بحديث من طرف واحد، من دون معرفة سابقة، هامسا بأذني : حضرتك معنا في البرنامج ، وقبل أن أجيب، رشقني بعبارة: يا ترى كم سيعطوننا، وهل ميزانهم ثقيل (يسوه) ما سأتحدث عنه، لانها المرة الأولى التي أتعامل معهم ، وأردف: كل ما يأتي من عندهم..خير لأن (السوك واكف) هذه الأيام.. وفجأة توقف المصعد في الطابق الذي أريد، ونزلت، فعرف إنني لست من لونه ولا من ثوبه!، فكرت مليا، بهكذا نماذج.. ألهذا الحد يستسهلون الكلمة ،بل ويقدموها ممجوجة، ويتصورون أنفسهم محللون وخبراء وقادة رأي، لهم جمهور ومتابعين، ويحظون باعجاب الغير وفخر الاهل والأصدقاء!، هم ولا غيرهم في الجو الاعلامي المسموم ،، وهذا الذي تحدثت عنه، رأيته لاحقا في أكثر من شاشة، مرة بتوصيف خبير أمني ،ومرة محللا سياسيا وأخرى مختصا بالشأن البيئي، ومرة كناشط مجتمعي وآخرها متابع للشأن الاقتصادي!، ولا أستبعد أن يظهر مستقبلا كخبير كروي يحلل مباريات المنتخب العراقي القادمة وجيب ليل وخذ عتابة كما يقال!.

وهنا أتساءل وبحرقة، من سمح لمثل أولئك بالظهور والتمدد كأخطبوط سرطاني في وسطنا الاعلامي ، الذي بات يلتهم ضوابط ومعايير المهنة ويمزق أحشائها بكل وقاحة من دون رادع ومصد أخلاقي، أهي المهنة ذاتها التي شاخت وتفتت جدارها بفعل مقصود من جهات لا تريد للإعلام أن يؤدي دوره التربوي والتنويري الصحيح، بل تريده فقط مرآة عاكسة للتناحرات والاختلافات ، من خلال صناعة أدوات هشة لا مقوم أخلاقي ولا خبرة ولا تجربة لها،  بل تشوهات خلقية، تتوهم بأن البرنامج الذي تقدمه،لكي يستمر لا بد أن يحتوي الكثير من الصراخ والنباح والنهيق والنقيق، ترافقه وجوه  محفوفة وبراطم منفوخة، وإيماءات وإشارات وحركات على وزن (دك عيني دك) من دون رسالة إعلامية حقيقية، ورحم الله أساتذتنا الذين أفنوا أعمارهم وهم يرددون (الإعلامي عين ثاقبة ومرآة عاكسة)، وليتهم علموا بإن بدلائهم ، فقأوا العين وكسروا المرآة!.

 

 


مشاهدات 311
الكاتب محمد صاحب سلطان
أضيف 2025/08/09 - 2:08 AM
آخر تحديث 2025/08/09 - 10:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 757 الشهر 6677 الكلي 11401763
الوقت الآن
السبت 2025/8/9 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير