ادباء وفنانون كبار لم تعيقهم عاهاتهم
قاسم المعمار
تبقى الموهبة والتألق من سمات التعويض الالهي العظيم للإنسان الفاقد لشيء او المحروم منه كي يصبح عامل تعويض ودفع للنمو والاتساع شهرة اجتماعية على الصعيدين المحلي والدولي وهذا ما حفزني اليوم ان التمس فكرة كتابة سرديات استذكارية تقييمية لتلك الوجوه النيرة لها بصماتها المؤثرة في قلوب وعقول متلقيها ، فمنذ سنوات ونحن في الشوق لها كونها تحاكي مشاعرنا واحاسيسنا ذوقاً وجمالية وتفاعلاً تناغمياً فنياً مع مبعث تلك المواهب والسكنات الرائعة .
وحينما نتحدث عن سمات التعويض للمفقودات نستذكر جوانبنا الروحية الايمانية في كسر مقولة (فاقد الشيء لايعطيه) بأن ارادة الخالق العظيم ان يعوضه بالبديل الملائم لخصوصيته وموهبته وهذا ما يتجسد في العديد من صور حياتنا اليومية ندرك سماعاً ورؤيةً لتلك مواهب المبدعين المكفوفين وذوي العاهات من الادباء والفنانين الذين بنوا مجداً خلاقاً لازلنا ننشده ونحفظه اسماً وصوتاً وحرفة ولم تكن هذه الهانات معيقة لطريقهم بل حافزاً لهذا التألق الكبير .
ومن هذا الاحتراف التاريخي المتألق تتمثل امامنا صورة الكاتب الكبير عميد الادب العربي "طه حسين" رغم فقدان بصره مبكراً لكنه عوض عنه بالاشتداد بالصبر والايمان وبإعانة زوجته الفرنسية التي اخلصت له ولم تتركه بل لازمته محبة ومترجمة وكاتبة لمقالاته ومأثوراته الادبية ، كان دائم الايمان ولم يعيقه ظلامية فقدان بصره متفائل بالحياة دائم الترديد لقوله تعالى (ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) .
فيما يحضرنا بهذه المناسبة من الفنانين العرب الموسيقار والملحن والمطرب البصير "سيد مكاوي" الذي اسهمت موهبته في اكتشاف الاصوات ومنها صوت المطربة التونسية "امينة فاخت" وابداعه في مقدماته الموسيقية للمسلسلات العربية الى جانب ذلك النجاح الذي حققه الموسيقار الكفيف "عمار الشريعي" خاصة في مسلسل "ريا وسكينة" .
وفي عراقنا الحبيب تألقت اصوات فنانينا المكفوفين ابداعاً غنائياً امثال المطرب "سعدي توفيق" والمطربة "هناء" .. وفقدان بصر الفنان المطرب "عبد الامير طويرجاوي" وهو متواصل الغناء في ايامه الاخيرة .
وكانت المشاهد المعتادة ان نرى نسبة كبيرة من عازفي الفرقة الموسيقية فلإذاعة والتلفزيون العراقي من المكفوفين خاصة عازفي الكمان والعود ومنهم عازف الناي الشهير "خضر الياس" .
اما من الادباء البلغاء فقد برزت شخصية الاديب والشاعر "محمد مهدي البصير" في مدينة الحلة الذي خلدته مؤلفاته ودواوينه الشعرية منها (ديوان البركات) و (ديوان الشذرات) توفي عام 1974 .
وفي بغداد فقد صدحت حناجر مجموعة من قراء القرآن الكريم واقامة المنقبة النبوية وهم كفيفي البصر بتقديمهم القاريء "عبد الستار الطيار" لمناسبات الزواج والافراح والاعياد والمآتم وذلك طيلة اربعين سنة من عملهم .
فيما يعد الدكتور الكفيف "محي الدين عبد الحميد" استاذ اللغة العربية والباحث والناقد المنقح فهو شخصية متألقة تدريسياً في جامعة بغداد وله العديد من المؤلفات والمراجعات ثم ارتقي الى درجة رئيس جامعة الموصل سابقاً لكفائته المهنية والعلمية وكانت زوجته الملازمة له في حلّه وترحاله المصرية الجنسية سبباً في نجاحه وتألقه كما كان يخبرنا نحن طلبته ابان السبعينات في الكلية .
وخير ختام لموضوعنا ان نورد شخصية الموسيقار الالماني الأخرس "بيتهوفن" رغم عاهته الا انه تألق صابراً صامداً في تقديم اروع سيمفونياته الموسيقية العالمية التي عشقناها ومازلنا نسمعها شوقاً وهي مقطوعاته الموسيقية الشهيرة (الخامسة والتاسعة وبحيرة البجع) .